"كشفت راسى واتجهت يا أم العواجز يا بنت بنت النبى شاكية ليكى كل زوارك اللى محترموش مقامك"، أم العواجز أو أم هاشم من الألقاب التى تطلق على السيدة زينب التى يتوافد إليها المصريون من كل حدب وصوب كل عام فى مولدها لنيل البركة والتقرب إلى الله، فهكذا يعتقد زوارها، إلا أنك تلحظ أن هناك مشاهد وسلوكيات عديدة فى مولد السيدة تبعد كثيرا عن أى مفهوم دينى أو طقسى أو حتى أخلاقى.
تعالوا معاَ نسترجع مشاهد من المولد من الأعوام السابقة:
بمجرد نزولك لمحطة السيدة زينب، تفاجأ بعروض كرنفالية تمزج ما بين ألعاب الأطفال التقليدية وألعاب النشان والأثقال المخصصة للكبار ولا يخلو الأمر من موائد القمار التى يباغتها المخبرون من آن إلى آخر، بالإضافة إلى مشهد قديم تعرضه الأفلام السينمائية، حيث يقف الساحر على المسرح الخشبى يحث المشاهدين على اللحاق بشباك التذاكر قبل أن يبدأ العرض الذى لا تخرج فقراته عن مصارعة الأقزام والعروسة شيكو بيكو، والراقصة التى يندفع الكثيرون نحو شباك التذاكر لمشاهدتها.
تلك هى الأجواء المحيطة بالمولد، أما ما يحدث أمام مسجد السيدة وفى الشوارع المحيطة، فهو عالم آخر، حيث مئات البشر يفترشون الأرصفة بعد أن اتخذوا من الشوارع مأوى لهم، تسير فى حى السيدة زينب فتشاهد كماً هائلاً من البشر ينامون على الأرصفة دون أن يزعجهم شىء. فالإزعاج الحقيقى يكون لسكان هذا الحى الذين تعودوا كل عام رؤية هذا الكم من البشر الزاحف من كل محافظات مصر، ليشهدوا المولد الذى تستمر فعالياته لأكثر من أسبوعين. ومعظم الأسر التى تقطن حى السيدة تحاول أن تلزم بيتها خلال فترة المولد، وتتجنب الشوارع الملاصقة للمسجد لما يحدث فيها من تحرشات بالفتيات وحوادث سرقة عديدة خاصة مع الزحام الشديد.
سرادقات كثيرة تقام حول المسجد لإطعام هذا الكم الهائل من البشر الذى يمثل "اللحم" الهدف الرئيسى لمجيئهم من محافظاتهم البعيدة، يجلسون فى دوائر حول الموائد التى يتوسطها اللحم والأرز. ولكل طريقة صوفية سرادق خاصة بها يجلس فيه المريدون ينذرون كل عام إطعام المساكين وعابرى السبيل، من بين هؤلاء رجل بسيط جاء من الصعيد لا تبدو عليه الحياة اليسيرة، إلا أنه يأتى كل عام ليطعم الناس الذين جاءوا من محافظات مصر المختلفة لزيارة مولد السيدة، أحيانا يقدم اللحم وأحيانا أخرى الفول النابت حسب حالته المادية.
فى مسجد السيدة زينب يتراص عدد كبير من المارة وكأنها طوابير العيش ليحصلوا على نصيبهم من الأرز باللبن، الذى يبدو سائلا لأن صانعيه لم يستطيعوا الانتظار أمام الأيادى الكثيرة التى تمتد طلبا للطعام.
أسر كاملة تأتى من الصعيد للاحتفال بالمولد، وتتكلف رحلتهم ما يزيد على المائتى جنيه كمصاريف للسفر، أما الطعام فهو متوفر بكثرة فى المولد، وخاصة العيش الذى يوزع عدد كبير منه مع كل وجبة.
"بدل ما نروح نصيف ونتفرج على الناس اللى قالعة، بنيجى هنا كل سنة"، هكذا تحولت الموالد إلى بديل للمصيف، ولا غرابة إذا سمعت أثناء تجولك فى المولد من يتحدثون عن الحشيش والبانجو، فربما يجعلهم أكثر انتباها للطقوس التى يؤدونها والتى يرددون خلالها آيات قرآنية دون الالتزام بترتيب معين.
فى وسط هذا المشهد الهزلى، تشاهد رجلا له لحية كثيفة يرتدى ملابس متسخة ويعلق فى رقبته كماً كبيراً من السبح، يقف أمام أحد المحلات ليشرب المياه الغازية، يحمل على ظهره عددا كبيرا من الزجاجات الفارغة، ويردد "كله موجود فى الكتاب"، إذا سألته عن مهنته يجيب "أنا خدامكم"، ليبدأ فى ترديد الآية القرآنية "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها"، ليبرز بذلك أن مهنته هى أيام الموالد التى تعد موسما رئيسيا للتسول والسرقة والتحرش، وأضيف إليها هذا العام أنفلونزا الخنازير.
فكرة تأجيل الاحتفال بمولد السيدة زينب هذا العام لاقت ترحيبا من دكتورة هدى زكريا أستاذ علم الاجتماع السياسى بجامعة الزقازيق، وذلك لاعتبارات صحية إلا أنها لم تر فى ظواهر التحرش والسرقة والتسول سببا كافيا لإلغائه تماما، مؤكدة أن الموالد فى مصر تتشابه مع الاحتفالات والكرنفالات على مستوى العالم، فالشعوب مهما زادت درجة تقدمها لا تتنازل عن احتفالاتها، مؤكدة أن السرقة والتحرش من الأشياء الوارد حدوثها فى الزحام وفى أقدس الأماكن، وضربت المثل بموسم الحج الذى يتعرض فيه بعض الحجاج للسرقة أو التحرش.
واعتبرت أن المولد يمثل نوعا من الصيانة للمجتمع المصرى، حيث يجمع ما بين الفقراء والمحتاجين وكذلك الأغنياء فى حالة من الوحدة تعكس رغبتهم جميعا فى التحرر من الضغوط اليومية سواء الاجتماعية أو الاقتصادية، مشيرة إلى أن الشعب المصرى فقد الثقة فى السلطة الغاشمة التى تحكمه فعلق كل آماله وأحلامه على السلطة الروحية المتمثلة فى أولياء الله الصالحين، وأكدت أن الحكومة لا تملك إلغاء الاحتفال بمولد السيدة زينب بصورة نهائية، لكن يمكنها فقط تأجيله لهذا العام فقط.
الموالد فى مصر.. مولد وصاحبه غايب
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة