كنت جالسة مستغرقة فى قراءة الآراء المتفاوتة، المتضاربة حول الكوتة ما بين مؤيد للفتح العظيم وما بين معارض لقلة الأدب، -النائب العمدة يطالب بوضع ستارة تفصل النواب عن نائبات الكوتة-، حتى قطعت دقات البائعة الصينية على الباب حبال التفكير والاستغراق،
"ماما.. تشترى قميص نوم صينى.. جميل ؟!"، طبعاً أنا لست "ماما" للبائعة الصينية ولكن يبدو أنها نسيت نفسها وافتكرت أنها فى إحدى دول الخليج فهم يقولونها هناك لربة البيت بدلا من "مدام"، المهم كان من الطبيعى كنتيجة متوقعة للأزمة المالية العالمية أن أرد عليها بالشكر، ولكننى غيرت رأيى وقلت أفتح من باب الذوق والإنسانية النسائية، نظرت إلى أسفل حتى أراها - وهذا طبيعى نتيجة اختلاف القياسات المصرية عن الصينية- ثم مددت بصرى إلى الشنطة التى إلى جوارها على السلم، وتعجبت كيف تمكنت من خداع البواب والصعود خلسة فى الأسانسير بهذه الشنطة الضخمة التى تكبرها مرتين، وكيف أصلاً تقوم بحملها طيلة النهار وحتى العودة إلى بيتها مساءً، رحبت بها ودخلت وبدأت فى عرض بضاعتها، وبكل تؤدة ولطف كانت تتعامل مع أشيائها، أشعرتنى بأنها تجيد التعامل مع النعمة، كانت مبتسمة طيلة الوقت – ذكرتنى طبعاً بالبائعات المصريات والتكشيرة المحترمة والزهق والضجر وكل الملامح التى تجعلك تتراجع عن الشراء- تركتها تعرض بضاعتها وأعجبنى أحدها فاشتريته لعلنى أجد فيه شيئاً مختلفا.
البنت الصينية كانت فى غاية التركيز والإجادة فى عرض بضاعتها، كانت تردد كلمات من أمثلة، قميص نوم صينى حلو ذوقه، شوف لون ناعم عشان حرارة ومش غالى خالص، ممكن يشترى كتير علشان تغيير أحسن!
لم أستعجب من مداخلها الذكية للأنثى وبالتالى عرفت لماذا أصبح لدينا أيضاً شئ اسمه "دهب صينى" – لا يباع إلا فى المناطق الشعبية - فهم يعرفون أن المصريات يحببن ارتداء الذهب ولكن قطاع عريض منهن غلابة، فقاموا مشكورين بتقديم اختراع لا يشعرهن بالحرمان القاطع، الدائم.
تذكرت صديقتى الشريرة المهووسة بالصيني، وأنها كانت قد عزمتنى من قبل فى محاولة يائسة لإقناعى بأخذ الجنسية الصينية على أكلة دجاج بصلصة الصويا الصينى فى أحد المطاعم الصينية المنتشرة مثلهم فى المعادى، وكانت هى قد جربت من قبل شرب شاى صينى للتخسيس، وأنها نصحت من قبل إحدى صديقاتنا بتجربة "الجدول الصينى للحمل!" ولا تسألونى كيف لأننى لا أعرف ولكن من الممكن التخمين بأنه السبب وراء ظاهرة التقزم الشائعة حالياً بين الأطفال.
صديقتى معذورة لأن المنبه صينى، ومج النسكافيه صينى، والكيتشن ماشين صينى، والثوم صينى، وشاحن نوكيا صينى، وفى ساقية الصاوى دورات لتعليم اللغة الصينية.. ياللهول، حتى الساقية اقتنعت بأهمية التعامل مع الجالية الموردة لبضائع الصين فى بلدنا، ومساعدتهم اقتصادياً، فعلا نحن شعب عاطفي!
ولكن لا زال لدينا نقص فى توريد المساج الصينى، والباديكيير الصينى، و..... الصينى، إلى مصر، فهذه الأشياء منتشرة جداً فى دول الخليج، لأن الصينيين يعرفون ما يحتاجه السوق فى كل منطقة، وطبيعة الناس واحتياجاتهم واهتماماتهم، وللعلم البضاعة الصينى أيضاً درجات، وتتعامل مع الشعوب على أنهم درجات، فأجود بضائعهم تجدونها فى أسواق أوروبا والأقل فى الخليج والأردأ ويا للأسف لدينا!
لذلك لا أدرى كيف فاتهم أننا بحاجة لمستشفى صينى، وقسم شرطة صينى، ووزراء صينيين، ومدارس صينى، وبنزين صينى.. كيف فات على التكتيك الصينى إدراك بقية احتياجاتنا الأساسية؟!
الحقيقة وتكملة للـ "الجو الصينى" الذى نعيشه على ترابنا المصرى، قلت أقرأ شوية عن الأمثال والحكم الصينية، فاندهشت أن أكثرها يتحدث عن "العلم"، فعلى سبيل المثال لا الحصر، يقول المرحوم بإذن الله الأستاذ كونفوشيوس: "لابد لى فى الحياة أن أجد بين كل اثنين معلماً"!.. ياااااه يا ترى أتعلم من كام واحد قابلهم فى حياته، وهكذا اكتشفت أننا بحاجة أيضاً إلى الحكمة الصينى!
الحقيقة أننى لم أحب شيئاً من الأجواء الصينية فيما عدا الـ (فنجشواى أوFengfhui) - وهو علم ارتباط ترتيب الديكور وأثاث المنزل وتنظيم البيت بالطاقة، هذه هى الحالة الصينى الوحيدة التى استهوتنى، وحاولت جدياً الاستفادة منها وتطبيق بعضاً منها فى بيتي.
البائعة الصينية فوتت أيام وعادت مرة أخرى تطرق بابى، "استحلتها على ما يبدو"، ولكننى كنت قد عدت أدراجى إلى الكوتة، وكل ما يتعلق بها من قريب أو بعيد، تذكرت أن الكويت فازت فيها النساء بعضوية مجلس الأمة بالانتخاب ونحن "كوتة"، من يصدق أن مصر كوتة؟!
لكننى ابتلعت اندهاشى الذى لم أعد أرى له داع، ربما لأننى تذكرت أن الناس فى بلدى غارقون فى الكوسة، وأغلبهم يتعاملون بالنوتة، والقليل منهم يعزف على النوتة، أما الخوتة فلها ناسها أيضاً وأغلبهن نساء مخوتات بالعيال، تذكرت كل شئ حتى الكوتة التى يطفحها الناس فى بلدي، حاولت فك الاشتباك بين ذلك كله وبين كوتة المرأة لكى أفهم وجه الشبه، لا أدرى لماذا أحسست بشبه كبير بين الجميع، لذا كان ردى على البائعة الصينية الكتكوتة هذه المرة فى قرار بالاكتفاء من البضائع الصينية هو: كوتة.. كوتة.. خلصت الحدوتة!
فوجدتها ابتسمت وغادرت.. فهل لكلامى معنى كويس بالصينى وأنا لا أدرى؟!
ربما.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة