الأمراض النفسية داء لا ينبغى الاستهانة به، فهى توهن الإنسان مثل الأمراض العضوية تماما، بل قد تكون أشد إيلاماً، لأن تأثيرها على "موود" الإنسان يكون بالغ الأثر لما تسببه من انعكاسات سلبية على المتعاملين مع ذلك الشخص.
ولأن المسئولين هم بشر عاديون، فهم معرضون للاضطرابات النفسية كأى إنسان، وإن زادت عليهم أعباء المسئولية، مما يجعلهم عرضة أكثر من غيرهم للإصابة بأمراض نفسية تؤثر على علاقاتهم بمرؤوسيهم.
يذكر الدكتور أحمد عبد الله أستاذ الطب النفسى بجامعة الزقازيق، أن هناك أمراضاً نفسية قد تصيب المسئولين، وكلها أمراض متعلقة بالسلطة مثل جنون العظمة، إدمان السلطة، المركزية، التعصب والعنصرية، وأيضاً أمراض إساءة استخدام السلطة.
ولأن لعنة الكرسى تصيب معظم من يجلس عليه، فأول ما يصاب المسئول به يكون إدمان السلطة، فهو يعلم يقيناً أنه لن يعزل، وبالتالى هو يتصرف كأنه الربان الأوحد للسفينة بيده مصائر مرؤوسيه، كل القرارات بيده تبدأ من عنده وتعود إليه، فمن ذا الذى يقدر على مراجعته، إنه مسئول أى هو فوق المحاسبة، ولهذا تصبح كل آماله متعلقة بالكرسى، الذى يستمد منه كل هيبته، فلا يستطيع أن يتخيل نفسه بدونه، ولا يدرك أن يتعامل مع العالم المحيط به من غير هذا الكرسى، الذى يضفى عليه الهيبة والسلطان.
وقد يصاب المسئول بمرض جنون العظمة، وهو نوع من الأنانية والتسلط، إذ يجعل العمل كله فى دهليز واحد، وهى ذاته المتضخمة، والذى يتمثل فى أنه يرى نفسه محور العالم، الكل يغير منه ويتآمرون عليه، يريدون الوقوف ضد نجاحه، وقد يمتد الأمر إلى أن أسرته تتآمر عليه كذلك، وذلك إذا استشعر أن أحداً يرفض أفكاره أو يعارضه، فهو لا يرتاح إلا إذا وافقه الجميع على آرائه، بل أن المسألة أكبر من ذلك فهو يبغى النفاق.
ولأنه إلى حد كبير جاء إلى هذا المنصب عن طريق أنه من أهل الثقة، وليس من أهل الخبرة، و"هى الطريقة المعتادة لاختيار المسئولين فى بلدنا"، وبالتالى فالمسئول يريد من كل من حو له أن ينافقه، ويطرون على مسامعه أحلى الصفات من أن الكرسى أتخلق "عشانك"، "مفيش حد عرف يمشى الإدارة زى الساعة غيرك"، "لم يحقق أحد إنجازات مثلك"، ويظل الحال هكذا إلى أن يصدق المسئول أنه منقذ البشرية ولن يصلح حال هذا المكان بدونه، ولن يبذل المسئول أى مجهود فى إيجاد "المهللين والمصفقين الذين يعزفون له لحن النفاق، فأول أناس هم طقم مكتبه الذين يرددون له "يا فندم أنت بتتعب عشانا كثير وكل وقتك بتقضية فى الشغل ريح نفسك شويه".
ومن الأمراض أيضاً التعصب أو العنصرية، وذلك لأن المسئول يكون فى حاجة إلى استقواء ودعم من مرؤوسيه، لأن لديه فراغ من القيم ويعلم يقيناً أنه جاء فى موقعه، لأنه ابن فلان أو قريب علان، فدائما يشعر أنه أصغر من المنصب الذى يشغله، لذلك فهو يريد من "يعمله غسيل مخ" ويظل يمدحه إلى أن يصدق أنه كفء.
ويرجع الدكتور أحمد عبد الله هذا الخلل الذى يصيب المسئولين إلى وجود معاناة فى طفولتهم أو مرت عليهم مواقف مؤلمة من قبل رؤسائهم قبل أن يتولوا السلطة، وبالتالى لابد أن يفعلوا بمرؤوسيهم كما فعل به، أو أنهم وصلوا إلى الكرسى عن طريق الرشوة أو عن طريق غير مستقيم، ولكن من يصل إلى الكرسى لأنه كفء لذلك، فلن يكون لديه هذه الأمراض، هذا بالإضافة إلى المعاملة التى سيتعامل بها مع الموظفين.
ويشير الدكتور أحمد عبد الله إلى عدم وجود معايير حقيقة فى تولى المسئولية، بالإضافة غياب القانون، مما يجعل البعض متوهماً أنه فوق المحاسبة، وطالما أن السلطة المطلقة، فهى لا تفرز إلا مفسدة مطلقة.
شخصية محفوظ عجب جسدها الفنان فاروق الفيشاوى بنجاح
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة