كنا فى السنوات الماضية وقبل ارتدائنا الحجاب نتمتع بنزول الماء سواء فى البحر أو فى حمامات السباحة بالنادى، ولكن بعد ارتدائنا للحجاب الشرعى أصبح الأمر مجرد متعة من ذكريات الماضى، هذا ما تفكر فيه الكثير من الفتيات.
البلاج الذى أنشئ للسيدات فقط فى مارينا عبارة عن جزء من شاطئ البحر محاط بسور عال من الخوص يمنع أعين المتطفلين من الرجال من رؤية النساء اللاتى تزاحمن بشدة ما بين مجموعة تتمتع بالمياه، ومجموعات أخرى ترقص على الموسيقى المنبعثة من الـDJ داخل الشاطئ، والعاملات فى البلاج يطلقن الصافرات لسيدتين أصرتا على التمتع بمياه البحر حتى آخر لحظات النهار قبل غروب الشمس، حيث يغلق البلاج أبوابه مع الغروب، وعند آذان المغرب تزاحمت السيدات على غرف تغيير الملابس وبدأن فى الوضوء وارتداء الملابس والصلاة على الرمال، وبينما قد يجد البعض تناقضا ظاهريا بين التجمع حول حلبة الرقص وبين التجمع للصلاة، إلا أنه كما يرى البعض لا توجد مشكلة... فكلهن سيدات.
قضيت يوما داخل الشاطئ، والحقيقة أن هذا اليوم لن أنساه ما حييت فمنذ طفولتى تقريبا لم أنزل إلى مياه البحر اللهم إلا مرة واحدة ارتديت فيها ملابس البحر للمحجبات أو ما يطلق عليه (مايوه شرعى) وطبعا غطاء للرأس، واخترت إحدى المناطق التى بدت خالية من الشاطئ ونزلت مع صديقة، ولكنى لم أشعر بالراحة مطلقا، فليس لدى السلطة لمنع توافد الرجال أو أى أشخاص حولى، وعلى الرغم من تغطيتى لجسدى إلا أننى لا أشعر بالراحة مع ملابس البحر الضيقة ولم أشعر بالمتعة بالطبع، أما عندما سمعت عن بلاج السيدات، ذهبت فى أول فرصة وكنت وحدى بلا صديقات، وبالرغم من ذلك فقد استمتعت متعة كبيرة جدا لن أنساها فهذه المرة الأولى التى ألامس فيها البحر بحرية، والحقيقة أننى شعرت بالأمان فالعاملات من السيدات، كذلك المنقذات والبائعات فى أكشاك الملابس والكافتيريا من السيدات، الأمر الذى شعرت معه أننى داخل مجتمع متكامل تعيش به السيدات فى حرية.
والحقيقة أن الكثيرات من السيدات المصريات يشعرن بنفس الشعور ونفس الظلم الذى يقع على عاتقهن، فالمتعة والمرح واللهو متاح لكل امرأة طالما ليست محجبة، وما يحدث دائما هو أننا نجد الشواطئ المتحررة والخاصة ممتلئة بالسيدات والرجال داخل البحر، أما تلك الشواطئ التى يمكن وصفها بالمعتدلة أو العامة فنجد الرجال والأطفال فى البحر أما السيدات فيجلسن على الشاطئ أو يكتفين بملامسة مياه البحر بأقدامهن أو حتى نزول البحر بملابسهن كاملة.
والمشكلة أننا نفتقد فى مصر (مجتمع السيدات) على الطريقة الإسلامية، ففى بعض البلدان العربية الأخرى، ولاسيما دول الخليج نجد أن هناك أماكن خاصة للسيدات، فالأفراح أو الأعراس غير المختلطة التى ينفصل فيها الرجال عن النساء، تعد فرصة لظهور السيدات بكامل زينتهن وتمتعهن بالغناء والرقص واللهو المباح بعيدا عن أعين الرجال.
وليس بعيدا ما يحدث فى دولة إيران التى تتمسك بالشريعة الإسلامية، فهناك بعض النوادى وأماكن ممارسة الرياضة بل والمسابقات الرياضية المتكاملة التى تنظم للتنافس بين السيدات.... الأمر الذى نحتاج إليه بشدة فى مجتمعاتنا العربية ليخرجنا من مأزق الاختيارين الذى لا ثالث لهما.... إما أن تتمتع المرأة بحياتها كما يحلو لها ضاربة بعرض الحائط الشريعة الإسلامية، وإما التقوقع والاكتفاء بدور المتفرج وحرمانها من أبسط حقوقها الإنسانية وهو حق اللهو والترفيه المباح.
والحقيقة أنه قد ظهر مؤخرا داخل المجتمع المصرى مجتمعا خاصا بالسيدات، ولاسيما من المحجبات... ومن مظاهر ذلك ظهور الأفراح الإسلامية المنفصلة التى تقام فى بعض الفنادق الكبرى، وذلك بتأجير قاعتين منفصلتين حيث ترتدى جميع السيدات بما فيهن العروس أجمل الملابس وبيدين بكامل أناقتهن حيث لا يراهن الرجال.
كما اعتادت بعض المجموعات من المحجبات التجمع لقضاء يوم بإحدى الفيلات، سواء التى تملكها إحداهن أو المؤجرة والتمتع بقضاء يوم حول حمام السباحة أو الاكتفاء بقضاء ساعات فى حمامات السباحة بأحد الأندية الكبرى، والتى لا تخصص حماما للسيدات، ولكن غالبا ما تكتفى بتخصيص عدد قليل من الساعات فى أيام محددة من الأسبوع للسيدات.
وقد قالت لى إحدى الصديقات وكانت غير محجبة إنها تتاح لها الفرصة فى النزول إلى البحر كيفما شاءت، إلا أن الوضع فى بلاجات السيدات أكثر راحة وأكثر حرية حتى بالنسبة لها.
وقد سمعت أحد الآراء الطريفة من الجنس الآخر، حيث قال لى صديق "الفكرة تروقنى بشدة فهى متنفس محترم للنساء، وعلى الرغم من بعض التجاوزات التى قد يجدها البعض نوعا من الخلاعة كالرقص بملابس البحر أحيانا، إلا أن هؤلاء الفتيات معذورات... فهذه المحجبة قد يكون لها زميلة غير محجبة فى نفس عمرها وتفعل نفس هذه الأشياء، لكن فى الشواطئ الأخرى الراقية التى تسمح بالاختلاط... فكيف نلوم المحجبة التى تفعل ذلك وسط النساء؟؟".
وقد قالت لى صديقة أخرى محجبة إنها بعدما سمعت عما يحدث داخل بعض هذه الشواطئ من تعرى زائد ورقص وغيره... كونت فكرة سيئة عنها لأنها ببساطة لم تحقق الهدف من إنشائها، فبدلا من إيجاد بديل إسلامى راقٍ للشواطئ المختلطة أوجدت شاطئا قد تحدث به أشياء ضد الشرع... لذلك "فلن أذهب إليه إلا بدافع واحد وهو الفضول". وللأسف فإن البعض يجهل أن عورة المرأة على الرجل مجمل الجسد ما عدا الوجه والكفين، أما عورة المرأة على المرأة فهى ما بين السُرة والركبتين، والإسلام حريص على الحفاظ على حدود الأدب والحشمة حتى عند اختلاط النساء بعضهن ببعض أو أمام الأطفال... ولا تنسى المرأة أنها بإظهار مفاتنها الشديدة أمام الأخريات تفتح على نفسها بابا لوقوع الغيرة فى نفوس الأخريات.
وبشكل عام فإن ارتداء الحجاب لا يعنى أبدا الحرمان من التمتع بمياه البحر فهى متعة مشروعة، كما أنها نوع من أنواع الرياضة وتجديد النشاط وما يسببه ذلك من راحة للنفس، وهذا حق من حقوق المرأة، وانتشار هذه الشواطئ يدل على نظرة احترام وتقدير للمرأة المحجبة ولاحتياجاتها، كما أننا نرى بعض المحجبات يلجأن بدلا من ذلك إلى النزول إلى البحر بملابسهم الكاملة وهو مظهر غير لائق فى كثير من الأحيان. وبشكل عام فإن ظهور مثل هذه الشواطئ يعد متنفسا للمرأة وناقوس خطر يحذر المجتمع من مخاطر الاختلاط بلا وعى ولا حساب.
