بدأت اهتمامات الجمعية العامة للأمم المتحدة فى القضاء على التمييز ضد المرأة تدخل حيز التنفيذ فى شهر تشرين الثانى من عام 1967 بإعلان وجوب القضاء على التمييز ضد المرأة. وبدأت لجنة مركز المرأة فى الأمم المتحدة فى استطلاع آراء الدول الأعضاء حول شكل ومضمون صكٍّ دولى بشأن اتفاقية لحقوق المرأة الإنسان. وفى عام 1972 والعام التالى بدأ فريق عمل عيَّنه المجلسُ الاقتصادى والاجتماعى فى الإعداد لمثل هذه الاتفاقية. وفى عام 1974 بدأت تلك اللجنة المعينة فى مركز المرأة بصياغة اتفاقية بشأن القضاء على التمييز ضد المرأة وظلت تعمل لسنوات، إلى أن أنهت إعداد الاتفاقية التى اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة فى عام 1979 ودخلت حيِّز التنفيذ فى عام 1981.
وهذه الاتفاقية "اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" تعتبر ثمرة ثلاثين عاماً من الجهود والأعمال التى قام بها مركز المرأة فى الأمم المتحدة لتحسين أوضاع المرأة ولنشر حقوقها. وهذه الاتفاقية كونها وضعت قضايا المرأة ضمن أهداف الأمم المتحدة وضمن أولوياتها، وأصبحت جزءاً من القانون الدولى لحقوق الإنسان، وتناولت التمييز بين حقوق الرجل والمرأة موضوعاً محدداً، وحاولت معالجته بعمق وبشمولية بهدف إحداث تغيير حقيقى فى أوضاع المرأة، لذلك فقد اهتمت بوضع الحلول والإجراءات الواجب اتخاذها من قبل الدول الأطراف للقضاء على التمييز ضد المرأة فى كافة الميادين.
ومن المعروف أ نه لم ينص عليه فى الاتفاقيات التى سبقتها، والتى كانت كل واحدة منها تعالج جانباً محدداً من قضايا المرأة. بالرغم من أن حجر الأساس لكل مجتمع ديمقراطى يتوق إلى العدل الاجتماعى وحقوق الإنسان، هو المساواة بين الرجل والمرأة من وجهة نظر هذه الاتفاقية، بالفعل سنجد فى معظم المجتمعات ومعظم ميادين النشاط تتعرض النساء لأوجُه عدم المساواة مع الرجل فى القانون الوضعى وفى المعاملة، وسبب ذلك ـ فى الواقع ـ أن حقوق المرأة ومكانتهن كانت تعتمد تاريخياً على القوانين والعادات وفقاً للبلدان التى يعشن فيها، ولم تكن ثمة قوانين معترف بها تُعتمَد كأساس لحماية هذه الحقوق، لذلك جاء تبنّى الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، والتى ترتكز على مبادئ حقوق الإنسان لتعيد للمرأة حقوقها فى المساواة مع الرجل، ومن المعروف أن مجرد إنسانية المرأة لم تكن كافية لتضمن حقوقها، لذلك كان لابد من إقرار اتفاقية "سيداو" لضمان حقوق المرأة.
ولنا وجهة نظر فى هذه الاتفاقية: وهى أنه قد يختلف مفهوم حقوق المرأة من مجتمع إلى مجتمع آخر من حيث اختلاف ثقافة المجتمعات، وتوجد أبحاث ودراسات كثيرة فى هذا الشأن، وبالتالى فإننى أرى أن المساواة بين الرجل والمرأة تكون فى الحقوق والواجبات العامة التى لا تمس النواحى البيولوجية للرجل والمرأة، فمثلاً لايمكن للرجال أن يحمل طفلاً ولا أن يلد طفلاً ولا يربى طفلا مثل المرأة المثقفة، ومن المعروف أن هناك قول أحمد شوقى وهو حقيقة بأن "الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق"، فوظيفة الأم البيولوجية لا يمكن أن تتساوى مع وظيفة الأب البيولوجية، وبناء عليه يجب أن تفرق بين المساواة واجبة وضرورية فى جميع الحقوق والواجبات العامة بين الرجل والمرأة، مثل التعليم والتوظيف، والترشيح والانتخاب والتمثيل النيابى... إلخ، وحقوق الإنسان بالكامل ماعدا الوظائف البيولوجية الطبيعية التى خلقها الله فى كل من الرجل والمرأة، وهى واجبة التقدير أيضاًً، وهو مالم تتطرق له اتفاقية سيداو من قريب ولا من بعيد، فيجب احترام وتقدير وتنظيم العلاقة الاجتماعية وفقاً لوظيفة كل منهما البيولوجية، بصفة خاصة بعيداً عن باقى الحقوق والواجبات التى تنص عليها الاتفاقية، ذلك حتى يستطيع كل منهما القيام بواجباته بطريقة جيدة وبكفاءة مرتفعة، تساعد على تقدم المجتمعات اجتماعيا بما يتناسب مع الأديان السماوية الثلاثة.
وما عدا ذلك فيجب أن تتساوى المرأة مع الرجل فى جميع الحقوق والواجبات، وفقاً لمواثيق الأمم المتحدة، علاوة على ما تضمنته الأديان السماوية من حقوق للمرأة، فمثلا الدين الإسلامى يضمن للطرفين الرجل والمرآة معنى المودة والرحمة، وهما عنصران لا تستقيم أى حياة زوجية ولا تستمر إلا بهما، وهو ما يتضمن حقوق للأم على أبنائها وزوجها.
وأيضاً تتعامل حقوق الإنسان فى المساواة بين الرجل والمرأة فى الولايات المتحدة مثلاً، على ظلم لأحد الطرفين أو ظلم فى العلاقات الاجتماعية ينعكس على الأطفال والأجيال القادمة، ويتجلى هذا فى حق المرأة فى أن تستضيف صديق من الجنس الآخر فى المنزل برغم أنف زوجها، ويمكنها الحصول على دعم من السلطات بطرد الزوج من المنزل وعدم الاقتراب منه لمسافة محددة وإلا يقبض عليه، وهو ما لا يتفق مع الشريعة الإسلامية مثلاً لأن أحكام الأحوال الشخصية مصدرها الدين الإسلامى بالنسبة للمسلمين ويجب المحافظة على مصادر التشريع الدينية فى الإسلام وفى جميع الأجيال، وإلا سيصبح العالم بلا دين.
لذلك فإننى أعتقد أنه يجب إعادة النظر فى اتفاقية "سيداو" بحيث تتناسب مع ضمان حقوق المرأة متضمنة الحقوق التى تمنحها الأديان، كل دين على حدة، بحيث تكون وظيفتها البيولوجية متناسبة مع حقوقها وواجباتها، مع مراعاة مانصت عليه الأديان الثلاثة، لأن التساوى المطلق، فى نظرى قد يكون ظالما للمرأة فى أوضاع كثيرة، نظراً لعبء الحمل والوضع والتربية والشعور بالأمومة عن الرجل، وأيضا التساوى المطلق، سوف يتسبب فى خلق مجتمع مفكك أخلاقياً ودينياً، وعلى هذا لا تكفى المساواة المطلقة بالرجل، حيث أعتقد أنها سوف يكون فيها ظلم للمرأة العاملة التى تربى أجيالا وأمما عن المرأة العاملة فقط.
واتفاقية سيداو مهما تضمنت من حقوق وواجبات، فبها من القصور ما يمكن أن يخلق مشاكل أكبر مما تخلقه من فوائد لمرأة، فالمرأة يهمها أن تربى أجيالاً واعدة حسنة التربية والأخلاق، أكثر منها ثرية أو لها مميزات أخرى، ونجد مثلا فى حالات الحمل والولادة والرضاعة، يستحيل أن تحدث مساواة بين الرجل والمرآة ولا يتصور مثل هذه المساواة، فالتعاون مطلوب، والتضحيات مطلوبة، وأيضاً بعض الأعمال المرتبطة بروتين الحياة أحياناً ما تطلب خبرة وجلد وصبر من طرف عن طرف آخر، من حيث القدرة البدنية والنفسية على التحمل، وهناك من المشاكل ما يصعب معه إيجاد الحلول ولا وضع نصوص قانونية جامدة لحلها، وهذه الاتفاقية يجب أن تتضمن كتالوجات تبين حالات التعامل الإنسانى بينهما فى الحالات الصعبة، مثلا الولادة، فماذا على الرجل أن يفعل حينما تنشغل زوجته فى الحمل والولادة مع صعوبتهما الشديدة؟ وكيف يكون التساوى بينهما فى مثل هذه الحالات؟
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة