المرض النفسى مثل أى مرض عضوى، يمكن أن يصيب أى فرد فى العائلة، ولكن فى أحيان كثيرة قد يكون فى بيتنا مريض نفسى ولا نكتشف مرضه، حتى يتحول إلى مرض مزمن يؤثر على حياة المريض ومن حوله ويحولها إلى جحيم، ومن خلال هذا الباب "فى العيادة النفسية"، سنتعرف على العديد من الأمراض النفسية المنتشرة فى مجتمعنا، وكيفية التعرف عليها واكتشافها مبكرا وعلاجها.
هل تتوضأ عدة مرات قبل أن تشعر أن وضوءك صحيح؟ هل تقضى ساعات طويلة فى دورة المياه محاولا التأكد من نظافتك؟ هل تغسل يديك عدة مرات فى اليوم وتفرط فى استخدام المطهرات؟ هل تعتقد أنك لو لم تقم بطقوس معينة قبل سفرك فلن تعود مرة أخرى إلى منزلك؟ هل تراودك باستمرار الأفكار السوداء وأبشع الوساوس؟ هل تعيد ما تفعله عدة مرات لتتأكد من صحة ما تقوم به؟ أو تكرر قراءة القرآن فى الصلاة حتى تضمن أنك قد قمت بقراءة السورة بالشكل الصحيح؟ إذا كانت الإجابة بنعم فربما تكون مصابا بنوع من الوسواس.
هذا المرض لو ترك دون علاج ووصل لمراحل متقدمة يتسبب فى عزلة المريض، حتى لا ينتقد أحد تصرفاته أو يصفه بالجنون، وتبدأ الوساوس فى التأثير على حياته اليومية والاشتباك مع المحيطين به فى العمل والمنزل. ولكن هذا المرض يمكن علاجه، وقد عولج الكثيرون من هذا المرض وعادت حياتهم إلى طبيعتها خالية من الوساوس والأفكار الغريبة السوداء.
ويصف الدكتور طارق عكاشة أستاذ الطب النفسى بجامعة عين شمس، إحدى الحالات قائلا "حضر طالب فى كلية التجارة يبلغ من العمر عشرين عاماً إلى العيادة، يشكو بأنه يمكث فى الحمام ساعتين للوضوء. وعند سؤاله عن السبب قال، إنه تسيطر عليه فكرة بأنه كلما توضأ عليه إعادة الوضوء لأنه يشك فى عدد المرات التى قام فيها بغسل وجهه أو يديه أو قدميه.
ويقول إنه يعرف بأن هذه الفكرة فكرة خاطئة، ولكنها مسيطرة عليه وأصبح الوضوء ثلاث أو أربع مرات يومياُ يجعله يمكث فى الحمام عدة ساعات كل يوم، مما يعطله عن الذهاب إلى الكلية أو المذاكرة حتى أنه رسب فى امتحانات الفصل الدراسى الأول".
وتم تشخيص الحالة بالوسواس القهرى وهو مرض يصيب الرجال والسيدات بنسبة واحدة، ومعدل انتشاره فى مجموع الشعب يصل إلى 2%، وهو من الأمراض العصابية التى تنقسم إلى قسمين أفكار وأفعال. فالأفكار عادة تكون أفكار خاطئة يحاول المريض مقاومتها، ولكنه لا يستطيع، مثل اجترار أفكار سوداء أو الأحزان أو صور ذهنية مؤلمة. وفى مصر النوع الأكثر شيوعا لهذا المرض ينتشر فى شكل وساوس فكرية تتعلق بالسب فى الذات الإلهية مما يجعل المريض يعتقد أنه بسبب تسلط الشيطان عليه.
أما الأفعال فعبارة عن أفعال قهرية أو طقوس يقوم بها المريض للتخلص من الفكرة وعادة ما تأخذ وقتا كبيرا ومجهودا من المريض يعطله عن ممارسة حياته اليومية.
وينقسم العلاج هنا إلى علاج دوائى هدفه تصحيح الخلل بمادة السيروتونيين الموجودة فى المخ (وهى مادة تلعب دورا مهما فى تنظيم مزاج الإنسان)، وعلاج سلوكى معرفى لتصحيح السلوك الخاطئ، من خلال عدة طرق، وقد ثبت أن المزج بين العلاج السلوكى والدوائى هو أحسن طريقة لشفاء المريض.
