فى أغلب الأحيان، تبدو هذه الجملة مشتملة على وصف دقيق لطبيعة النفس البشرية. فنحن نقوم بنفس الأخطاء مراراً وتكراراً، متناسين دروس الماضى ومقنعى أنفسنا بأن أفعالنا سيترتب عليها نتيجة مختلفة هذه المرة. القدرة على التعلم من أخطاء الماضى قد يكون لها أثرها فى منع المآسى التى يمكن أن تصيب الناس والدول أو التى تمس فئات عرقية ودينية بأكملها .
يجب على المسلمين المعاصرين أن ينظروا إلى أسبانيا الإسلامية فى العصور الوسطى ليأخذوا منها درساً تاريخياً، يكون متعلقاً بالوقت الراهن، كما كان متعلقاً بذلك الوقت. فى غضون العصر الذهبى للحكم الإسلامى لمصر، عاش المسلمون والمسيحيون واليهود مع بعضهم فى تآلف. لمدة ثلاثة قرون، كانت هناك قيادة إسلامية شمولية ومتسامحة ترأس نموذجاً إسلامياً ساهم بفاعلية فى إصدار مجموعة متميزة من الفنون والفلسفة والرياضيات والتجارة والزراعة والعلوم فى ذلك الوقت.
ولكن عندما أدى التقدم الأوروبى إلى تهديد السيطرة الإسلامية، لجأ القادة الموريون إلى شمال أفريقيا طلباً للمساعدة. وحصلوا بالفعل على المساعدة العسكرية التى يقنطون إليها، ولكن المساعدة جاءت من مجموعة متحفظة ومتزمتة، استطاعت أن تملك زمام السيطرة على الحكم وفرضت أسلوبها المتزمت على الشعب، مدمرة مجد أسبانيا الإسلامية.
فى الأوقات المعاصرة، كانت هناك جهود حثيثة من أجل تكوين دولة إسلامية موحدة تقف أمام إسرائيل والغرب. مع الاعتماد على الدين كأساس لهذا التحالف وتصاعدت حدة التطرف إلى ذروتها. وهذا كما هو حقيقى الآن، كان كذلك منذ 1000 عام مضى. اليوم، يجب على المسلمين أن ينظروا إلى الخلف ويتعلموا فى الوقت الذى تحاول فيه العناصر الإسلامية المتعصبة إحكام سيطرتها.
الغزو الإسلامى لشبه جزيرة أيبريا..
فى القرن الثامن عشر، بدأ المسلمون والبربر فى شمال أفريقيا، المعروفون باسم المور، غزوهم للدول المعروفة باسم أسبانيا والبرتغال الآن. وفى غضون 5 سنوات نجحوا فى غزو معظم أنحاء شبه جزيرة أيبريا. وكان مركز إمبراطوريتهم، الأندلس، فى جنوب أسبانيا حول منطقة الأندلسية المعاصرة. بينما كان الحكام الأوائل لأسبانيا المورية يعملون معاً، فقد أدى التنازع فيما بعد إلى تفتيت وحدة كيان الإمبراطورية وانقسامها إلى دويلات مستقلة.
ومع نهاية القرن الثامن، تدفق المهاجرون العرب إلى الدولة، وقاموا بالتزاوج مع كل من المواطنين الأصليين والموريين الغزاة. وعلى الرغم من أن الموريين لم يكونوا حلفاء متعاونين إلا أن التزاوج بين الأجناس المختلفة كان يتم بشكل متجانس وساهم لسنوات فى دعم السلام بين السكان.
قرطبة والعصر الذهبى لأسبانيا الإسلامية..
عاصمة أسبانيا المورية كانت قرطبة، والتى تأسست فى القرن الثامن الميلادى. ولكن روعة المدينة لم تظهر إلا مع بداية القرن العاشر الميلادى تحت خلافة قرطبة. ويمكن إدراك عظمة قرطبة بالنظر إلى عدد سكانها. فبحلول القرن العاشر الميلادى كان يسكن مدينة قرطبة ما يقدر بحوالى 500.000 نسمة، بالمقارنة بحوالى 380.000 نسمة كانوا يعيشون فى باريس فى ذلك الوقت. ولم تكن قرطبة فقط أكثر المدن من حيث التعداد السكانى فى وقتها، بل كانت على قمة الحضارة والثقافة الغربية.
فقد كان فى قرطبة أول إضاءة للشوارع عرفت فى أوروبا، وكان هناك 60.000 قصر و700 مسجد و900 حمّام عام و70 مكتبة. ويقال إن مكتبة قرطبة كانت تضم ما يقرب من 500.000 نسخة وتدار بواسطة كادر هائل من العمالة. وقد فتحت أول مكتبة أوروبية فى قرطبة قبل أن تفتح أية مؤسسة تعليمية فى عواصم أوروبا بفترة معتبرة. ولكن الشىء المدهش فى المجتمع الأسبانى المورى، أن الشعب كان يتكون من مزيج متجانس من المسلمين والمسيحيين واليهود. التسامح بين هذه الديانات الثلاث وعاداتها وتقاليدها، أدى إلى ظهور أكثر المجتمعات نضجاً فى العصور الوسطى. وبفضل التعاون بين المفكرين المعاصرين بغض النظر عن دياناتهم، أصبحت أسبانيا المورية -وقرطبة على وجه التحديد- عاصمة الثقافة الأوروبية فى عصرها.
وبالتالي، فإن الأندلس المنصهرة فى بوتقة واحدة قد أنجبت فلاسفة ومفكرين بارزين. والعلماء الرحالة المسيحيين قَدِموا ليروا المكتبات العظيمة بما تحتويه من كتب علمية وخرائط. واستخدام الأرقام العربية حل محل الأرقام الرومانية قبل باقى أوروبا بقرنين من الزمان. وقد كانت الإنجازات فى مجال الفن والهندسة والتجارة والزراعة وفى علوم الرياضيات والطب والملاحة والفلك فريدة من نوعها. ولكن يبدو أن أهم المساهمات فى تاريخ الحضارة الغربية قد تم على يد مجموعة من العلماء المسلمين والمسيحيين واليهود الذين تعاونوا معاً لترجمة أعمال المفكرين اليونانيين القدامى، مما جعلها متاحة للبحث العلمى لأول مرة.
إعادة الغزو وسقوط أسبانيا المورية..
للأسف، فإنه بحلول القرن الثانى عشر بدأت تتفكك هذه الثقافة الحضارية المتطورة. فبينما سُمح للمسيحيين واليهود بالاحتفاظ بأراضيهم وقوانينهم وشعائرهم الدينية، فقد كانوا يخضعون للجزية وضريبة الرأس والضرائب العقارية. وهذه الضرائب زادت مع الوقت وتم فرض ضرائب جديدة. وأجبر المسيحيين واليهود على ارتداء ملابس تميزهم وتم حرمانهم من إنشاء أماكن جديدة للعبادة. وقد دفعت الرغبة فى مقاومة هذه السياسات، بالإضافة إلى ضعف التحالف بين القادة الموريين، المسيحيين إلى محاولة استعادة شبة جزيرة أيبريا، وهى الفترة التى عرفت باسم إعادة الغزو.
وعندما اكتسبت انتفاضة المسيحيين القوة، لجأ القادة المسلمون فى شبة جزيرة أيبريا إلى شمال أفريقيا طلباً للمساعدة. ولجأوا للمساعدة العسكرية من المراديين، وهى مجموعة من المقاتلين المتشددة. واستطاع المراديون أن يوقفوا إعادة الغزو مؤقتاً، ولكن كان هدفهم الأساسى هو إعادة توحيد المسلمين تحت راية خلافة واحدة. ونجحوا بالفعل فى تحقيق أهدافهم، ولكن اتجاهاتهم المتشددة مندمجة بالأسلوب العسكرى أدت إلى سقوط الثقافة الإسلامية الشمولية القائمة على التسامح فى أسبانيا المورية. وأولئك الحكام لم يقبلوا بالدور الذى يقوم به المسيحيون واليهود فى المجتمع المورى. والأكثر أهمية أن المراديين لم يكونوا متسامحين بالنسبة للممارسات الرخوة للشعائر الدينية من قبل المسلمين الأيبريين. وقاموا بعد ذلك بعزل كل القادة الموريين باستثناء واحد فقط وقاموا بفرض قانون صارم للالتزام والعقاب على الشعب.
وفى عام 1147م، هُزِم المراديون من قبل جيوش الموحدين الأكثر قوة وقسوة وتحفظاً. والشخص الذى أوجد هذه السلالة الحاكمة كان يعرف بورعة الشديد وهجومه على تجار النبيذ والموردون للبضائع والخدمات التى لا تتسق مع تعاليم الإسلام. وعندما غزا الموحدون أيبريا منتزعين زمام السلطة من أيدى المراديين، بدأوا حملتهم لطرد كل المسيحيين واليهود خارج الأراضى المورية.
وفى ذلك الوقت زادت سطوة القوات المسيحية ثم اتحدت الممالك المسيحية من أجل إعادة شبه جزيرة أيبريا. وبنهاية القرن الخامس عشر، اكتمل إعادة الغزو وخرج المسلمون واليهود من أسبانيا.
بتمحيص حالة العالم الإسلامى المعاصر نجد دلائل موازية لحالة العصور الوسطى فى أسبانيا. فالمجتمعات والشعوب الإسلامية المعاصرة تبحث عن المعونة من إخوانهم الأقل تسامحاً وتفتحاً. وهذه المجموعات تساعدها مجموعات متطرفة ومتشددة تسعى نحو فرض أساليبها وتقييد الحريات. ولذلك، فإنه يوجد التزام يقع على عاتق العالم الإسلامى اليوم لكى ينظروا إلى صفحات التاريخ ويتعلموا من الأخطاء التى ارتكبها أقرانهم فى العصور الوسطى. والاتجاه الذى يسلكه المسلمون فى الوقت الحاضر خطير جداً، وبدون اتخاذ إجراءات إصلاحية فسوف تكون النتائج وخيمة بالنسبة للشعوب الإسلامية وبدون شك بالنسبة للعالم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة