جرت سنة الله فى خلقه أن الناس والجماعات والدول والحضارات لها دورة حياة، فعادة ما تبدأ الأشياء صغيرة ثم تنمو وتكبر حتى تعتلى القمة ثم تبدأ رحلة الهبوط إلى أسفل، لكن خبراء التسويق يعتقدون أن مرحلة النهاية تبدأ فعلياً عند وصول أعلى نقطة فى الهرم، وعليه فعادة ما يقترحون على قادة المؤسسات والشركات التفكير مبكراً فى المرحلة التالية لصعود القمة، وهنا يتم طرح مجموعة من الأسئلة حول نقاط الضعف والقوة وحجم المنافسة والتهديدات الخارجية والفرص المتاحة، ويبدأ التفكير فيما يعرف بإستراتيجية الخروج (Exit strategy)، لكن النادى الأهلى وقيادته، التى يبدو أنها بلغت من الحكم عتيَّا لم تدرك طبيعة الأشياء وحركة دوران الكون من حولها.
كلامى هذا لا ينفى أبدا وصول الأهلى للقمة ولا بلوغه ما لم يبلغه نادٍ عربى من قبل، خصوصاً فى مجال كرة القدم، ولكننى وأنا أشاهد مباراة كرة القدم مع فريق بيلار كانو، المبتدئ أفريقياً، أدركت ومنذ الربع ساعة الأولى أن الفريق لم يعد بحاجة إلى مزيد من الانتصارات، وأن قلب اللاعبين لم يعد ينبض كما كان من قبل، وأدركت أيضا أن مانويل جوزيه، وهو مدرب أكثر من رائع وعلى يديه حقق الأهلى ما يزيد عن خمسين فى المائة من إجمالى بطولاته الأفريقية، أدركت أنه رفع الراية البيضاء واستسلم للواقع من حوله، على الرغم من أنه يمتلك أوراقاً يمكنها أن تحيل الهزيمة نصراً، لكننى شعرت أن الأهلى اكتفى بالقمة التى وصلها ورضى برحلة الهبوط من القمة راضياً أو راغماً النتيجة واحدة، ولولا فضل الله لكانت فضيحة كبرى فى القاهرة أن يهزم الأهلى بهدفين من فريق لا يزال يحفر تاريخه فى كرة القدم على المستوى الأفريقى، وقد ذكرتنى مباريات الأهلى الأخيرة، بدءاً من المحلة وأنت طالع، بما كان يحدث مع الأهلى على يد فرق أفريقية ليس لها تاريخ مثل البن الأثيوبى عام 1998 وبنفس نتيجة بيلار كانو 2/2 فى القاهرة و1/1 فى أديس أبابا.
وبعيدا عن كرة القدم التى شغلت بها إدارة النادى الأهلى، فإن هناك العديد من البطولات التى خرجت من الأهلى للمنافسين، ولعل هزيمة الأهلى من الزمالك فى نهائى بطولة أفريقيا للكرة الطائرة قبل أيام يعطينا مثالاً على حالة التشبع، الترهل الأهلاوية.
أريد أن أقول إن النادى الأهلى بإدارته الحالية قد حقق إنجازات تاريخية تشكر عليها هذه الإدارة، ولكننى على يقين أنه لن يكون بمقدور الإدارة الحالية إذا استمرت فى موقعها أو بنفس طريقة تفكيرها أن تقدم جديداً أو أن تصلح الوضع الراهن، لأن هناك حالة تعرف بالدفع الذاتى تصيب الإدارات وتشلها عن التفكير وحتى حين تفكر فإنها تعيد إنتاج أفكارها القديمة فى وقت تغيرت فيه عدة معطيات، فعلى سبيل المثال فالفكرة السائدة لدى إدارة النادى الأهلى "اللى تعرف ديته اقتله" و "شراء العبد ولا تربيته"، وهذا يعنى أنه طالما أن الأهلى قادر على شراء أفضل اللاعبين فلماذا يهتم بالناشئين؟ وهذه نظرة رأسمالية فاسدة يغيب عنها البعد الاجتماعى والأخلاقى، الذى يجب أن يكون فى أعلى سلم أولويات الأندية الاجتماعية التى يجب أن تهتم بالنشء وتعنى بالمبدعين والموهوبين بدلاً من أن تعيرهم ثم تبيعهم لتحصد الأموال.
وفى الوقت الذى يشكو فيه النادى الأهلى من إصابات بعض الرئيسيين، فإنه يحتجز على سبيل "الرهينة" مجموعة من خيرة اللاعبين الذين اشتراهم النادى من الأندية المنافسة وغير المنافسة ليحرمهم من اللعب ويحرم أنديتهم من المنافسة، سواء عن قصد أو بغير قصد.
ما طرحته نموذج لعقلية الإدارة الرأسمالية فى الأهلى، وهى عقلية قد تنجح لبعض الوقت، لكن الإدارة الحديثة تفترض أن هناك أبعاداً اجتماعية وثقافية يجب الاهتمام بها جنباً إلى جنب مع البعد المالى والرأسمالى.
وفى تصورى، أنه فى اللحظة التى يقرر النادى الأهلى العودة إلى المنظومة الاجتماعية سيعود مرة أخرى للبطولات مستريحاً حتى ولو خسر كل النهائيات، لأن النتيجة العامة هى أن النادى بكل ما فيه ومن فيه يعيش حالة من النشاط المخلص فى إطار من الود والاحترام والبذل والعطاء والمنافسة الشريفة مع الآخرين الذين ينظرون وبلا شك إلى النادى الأهلى على أنه كبير وعريق، وليس مجرد منافس جشع.
آخر السطر:
منذ عرفت الكرة وأنا أشجع النادى الأهلى، لكننى أحب الكرة على طريقة الدراويش التى تطربنى، ورغم حبى للأهلى، إلا أن الإسماعيلى المنافس بشرف يستحق التتويج هذا الموسم، لأنه سعى بكل ما فى وسعه وفى إطار من الصمت والتواضع، وحتى إن لم يفز فإنه يستحق الإشادة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة