سادت حالة من الحزن الشارع المصرى أمس، كما كان الاكتئاب هو السمة الغالبة على معظم البيوت المصرية، وهو ما يدعو للتأمل فى هذا الشعب الذى تحير شخصيته أعتى علماء النفس وأكثرهم خبرة.
فالشارع المصرى الذى تألم لوفاة طفل واعتبر مصاب أسرة الرئيس مصابا لهم جميعا هو نفس الشارع الذى يسوده العنف وتنتشر فيه جرائم القتل، التى معظم ضحاياها من الأطفال، والشعب الذى تعاطف مع الرئيس وعائلته هو نفس الشعب الذى يصب جام غضبه وسخطه على الحكومة والمسئولين بسبب تردى الأوضاع المعيشية.
لماذا حزن الشارع المصرى كل هذا الحزن، ولماذا خيم جو من الكآبة على معظم البيوت المصرية بعد إذاعة مراسم جنازة الفقيد ووالده علاء مبارك يحمل جثمان نجله بمشاركة شقيقه جمال وهما يغالبان البكاء؟
الدكتورة عزة كريم، أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية، تقول: تناسى الجميع خلافاتهم ونحوا مشاعرهم السلبية جانبا لأن هذا هو الإنسان، دائما ما تظهر المشاعر الطبيعية فى المواقف الصعبة، لا يوجد مواطن مصرى لم يصب بالحزن ونوع من الاكتئاب بجرد سماع الخبر، لأننا نتخلى عن كل الأحاسيس الأخرى ولا نفكر فى صاحب المنصب الذى أصابته الفاجعة، فالموت مصيبة للجميع لا فرق بين رئيس الجمهورية أو مواطن عادى فقير. الجميع وضع نفسه مكان الجد والجدة والأب والأم الذين فقدوا طفلهم وشعروا بإحساس هذا الإنسان وتعاملوا مع أفراد أسرة الرئيس كأسرة مصرية عادية فجعت فى وفاة عزيز لديها.
علاء تحول إلى مجرد أب مصرى فجع فى وفاة ابنه، والرئيس مجرد جد أقعده الحزن عن المشاركة فى توديع "أعز الولد".
وبالطبع هناك أطفال كثيرون يموتون أو حتى يذهبون ضحايا جرائم بشعة ونتعاطف معهم أيضا بسبب تركيز الإعلام على هذه الأحداث. وتركيز الإعلام على حادث وفاة حفيد الرئيس وجو الحداد العام الذى ساد جميع القنوات الفضائية ساهم فى إشاعة هذا الجو الحزين بين المصريين، كذلك بمجرد مشاهدة جنازة الطفل وصوره وهو يمارس حياته كطفل عادى والرئيس يداعبه كأى جد يداعب حفيده نشعر بالاكتئاب.
وتؤكد د.عزة أنه بالرغم من العنف والجريمة التى انتشرت مؤخرا فى المجتمع ووصفنا للإنسان المصرى بالقسوة إلا أن هذا الإنسان تحول إلى إنسان عاطفى يبكى لوفاة طفل لا يعرفه. ومن هنا نقول إن سلوكيات الإنسان تخلقها الظروف، عندما تكون الظروف إنسانية يتحول إلى شخصية عاطفية معطاءة متأثرة بما حولها من ظروف والعكس صحيح عندما يتعرض لظروف صعبة يتحول إلى وحش قاسى.
ويرى الدكتور محسن عسكر، أستاذ علم النفس بكلية طب قصر العينى، أن هذا وضع طبيعى أن يتعاطف الشعب مع رئيسهم فهو رمز بالنسبة لهم والشعب المصرى أظهر تكاتف فى أزمات كثيرة سابقة. وهذا رد فعل متوقع ولكن لا نتوقع أن يستمر مدة طويلة فحالة التأثر هذه وقتية ليوم أو يومين، ومثلا لو أعلنت الدولة الحداد لمدة أسبوع لن يتجاوب معظم الناس لهذه الدرجة. وبالطبع كون الفقيد طفلا كان من ضمن العوامل التى زادت من تأثر وتعاطف الناس، كما يقول د. محسن أن ظهور أولاد الرئيس وهم يحملون النعش أثناء الجنازة وعلى درجة عالية من التأثر جعلت الجميع يشعرون بأنهم أمام أشخاص عاديون ألمت بهم مصيبة وكون الجنازة شعبية أيضا قربت بين السلطة والشعب وأزالت الفوارق، وهذا هو المفترض أن يكون هناك دائما تواصل بين المسئولين والشعب.
ويستنكر د. محسن إضفاء صفة العنف على الشعب المصرى، وأن نعتبر الجريمة ظاهرة فى مجتمعنا، ويتهم الإعلام بالتسبب فى ارتفاع معدلات الجريمة وإثارة مشاعر العنف لدى الشعب نتيجة للتغطية المكثفة للجرائم وتسليط الأضواء عليها، وسرد التفاصيل بإسهاب، مما يعلم ضعاف النفوس كيفية ارتكاب جرائم مثلها، كما يحذر أيضا من الإفراط فى نشر حوادث الانتحار لأن الفكرة قد تراود البعض ويحجم عن التنفيذ ولكن الإلحاح عليها وإحساسه بأن غيره قام بمثل هذا السلوك قد تدفعه للتقليد.
الدكتور محسن عسكر
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة