"المرايا" .. قصة قصيرة لهند سليمان

السبت، 16 مايو 2009 08:43 م
"المرايا" .. قصة قصيرة لهند سليمان فارس الأحلام الذى خلع من عليه ثوب الفروسية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تسربلت دموعها كخيط رفيع تمسك جزيئاته ببعضها حتى يتسنى لها النجاة من سقوط محقق وضياع بين أجسام مغتربة، وتسللت أصابعها إلى رأسها لتفتش عن جدائل مليئة بالعطر كانت تحيكها لها أمها ببراعة منقطعة النظير، ولكن أصابعها عادت متذيلة بالفشل حين لم تجد الجدائل، وأكدت لها مرآتها صدق أصابعها، فصرخت وراحت تتحسس بهم ملامحها لتتأكد أنها ليست طيفاً.

وبعد فترة، شعرت قدماها بالتعب، فشقت طريقها إلى السرير دون أن تدرى، وأجبرها جسدها المنهك على النوم، لكن عينيها تمردت على ثورة هذا الجسد وظلتا مفتوحتين، وفجأة نهضت سعاد كزوبعة من الضوء المصفى يتلألأ بريقها المنطفئ فى المرآة كبراءة الشهداء، بعدما غرر بها الحلم وضغط على صدر ذكرياتها الأليمة بعزم ما فيه، وكلما ضغط عليها ازداد شغفها لأن تعانقها ضفيرتها ورائحة أمها الذكية.

هبت سعاد من مضجعها على صراخ صغارها الثلاثة، وهم يسألونها بأصوات متداخلة عن والدهم سؤالاً مزوبعاً بقلبها وصاعقاً لأنفاسها، فتناثرت أشلاء أفكارها فى ثنايا المنزل حائرة كدموعها، محاولة البحث عن كذبة هاربة من فيلم سينمائى قديم للتعتيم على انفصالها عن والدهم، ولم تجد أمامها سوى اختلاق كذبة سفره للعمل بالخليج، وأنه سيأتى بشكل دورى لرؤيتهم والاطمئنان عليهم.

وفرت مسرعة للهروب من نظرات أولادها حتى لا يركع أمامهم انهيارها ودموعها، فأغلقت باب غرفتها وأخذت تبكى أمام المرآة صديقتها القديمة، وتذكرت تلك الأيام التى كانت تتطلع فيها إلى المرآة بغضب شديد لمجرد وجود تلك الضفيرة على رأسها، وكم كانت تثق برأى مرآتها فى الناس، حيث كانت تطلعها خفية على أكاذيب ومجاملات الأصدقاء والمعارف.

نمت هذه النظرة بداخلها، حتى ظنت أنه بإمكان المرآة فضح ما تخفيه الوجوه من مكنونات وأسرار، فأصبحت أكثر شغفاً لمعرفة ما إذا كان الناس يبدون فعلاً كما تراهم أم أن للمرآة، التى تتساقط أمامها الأقنعة، رأياً آخر، فباتت تصر على أن تحضر كل من تعرفه أمام المرآة، وسرعان ما تسبقها عيناها للنظر فى مرآة العربات والأتوبيسات لرؤية انعكاسات الوجوه، وما تضمره.

ومرت الوجوه على اغترابها، إلى أن صفعتها هذه الصورة الوردية لفارس الأحلام الذى خلع من عليه ثوب الفروسية وكشف عن بيئته العجوز الموحلة فور إتمام الزوج، بعدما أجاد لغة المرآة واحترف التمثيل والاحتيال عليها، وكان صدى صراخها وأنينها حينما كان يضربها يتردد بداخلها مزلزلاً كيانها، فتمددت على سريرها متوسدة حزن حقائب السنين التى عاشتها معه عطاءه بلا مقابل، أسيرة شرودها المتهرئ، مواسية نفسها بأنه حتى لو ضاع الأحباء لن يكون الحب هباء.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة