عصام عبدالعزيز

أريد أن أرى ما أريد

الإثنين، 06 أبريل 2009 10:50 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
"أرى ما أريد من الحب .. إنى أرى
خيولا ترقص سهلاً، وخمسين غيتارة تتنهد
وسربا من النحل يمتص توت البرارى، فأغمض عينى
حتى أرى ظلنا خلف هذا المكان المشرد" .. محمود درويش

أرى ما أريد
أرى ما أريد من 6 أبريل وأخواتها، إنى أرى حركات اجتماعية تمثل الشعب وتعبر عنه ترتفع فوق الأيدولوجيات والصفقات السياسية المشبوهة، تعرف أن المظاهر الاحتجاجية كالإضراب والاعتصام والتظاهر حق، والتغيير هدف، تعرف متى تتحرك وأيضا متى تتوقف، ولا تترك زمامها للأهواء الشخصية ومدعىّ الزعامة، ليكن زادها الشباب تجعلهم خبزها كفافها، فهم منها وإليها إلى يوم يرحلون.

أرى ما أريد
أرى ما أريد من الإخوان، إنى أرى جماعة تعرف حجمها وتأثيرها فى الشارع السياسى المصرى فلا تستغله فى تحقيق مكاسب وقتية مرحلية، بل تتوجّه ببرنامج سياسى طموح يحمل ما نستطيع الاتفاق معه أو الاختلاف عليه، لتكن جماعة المصريين لا جماعة المسلمين، فربما تستطيع أن تعرف أن الفقر لا يفرق بين مسلم ومسيحى، وأن الجوع يأتى للجميع، الملتحى والأمرد، المحجبة والسافرة، وأن المرض لا يأتى من الرسغ فيعرف إن كان عليه صليب أم لا، وأن الجهل لا يختار بين شيعى وسنى وبهائى وكاثوليكى وأرثوذكسى، وأن من يضرب المتظاهرين والمدافعين عن حقوقهم، لا يسألهم أولا، أهم يمين أم يسار؟. ربما ساعتها يكونون إخواننا وجماعتنا، حتى وإن اختلفنا فى سياسات أو أيديولوجيات، لأن ساعتها لن يكون الحكم على الدين والقلب والسريرة لأنهم ملك لله، ولكن الحكم سيكون على النظرية والرؤية والبرنامج السياسى وهؤلاء ملك للشعب.

أرى ما أريد
أرى ما أريد من اليسار، إنى أرى تحالفاً يجمعهم على أساس الاشتراكية العلمية، تحالفاً يتبنى قضايا واضحة وثابتة لا تحتمل الخلاف والتشرذم، تحالفا يعرف أن ماركس ليس ماركسيا وأن أقواله وكتبه ليست ثوابت ولا نصوصا مقدسة لا تحتمل النقاش والجدل والنقد البناء، تحالفا يعرف أن من يسكنون الأبراج العاجية لا يصلون إلى قلوب الشعوب، تحالفا يعرف أنه وإن كان "اليمين فى خسر، فإن اليسار فى عسر" وأى عسر.

أرى ما أريد
أرى ما أريد من أحزاب المعارضة، إنى أرى حزبا مليئا بالشباب والنشاط الجماهيرى، حزبا يمتلك رؤية واضحة لا تأتيه الصفقات السياسية المشبوهة من أمامه ولا من خلفه، حزبا يمتلك حكومة ظل يعرف أنها ستحكم فيسلحها بحلول عملية لمشاكل شعب ينتظر، أرى حزبا يمتلك جريدة ينتظرها القارئ قبل صدورها، ودار نشر لطباعة وتوزيع الكتب والدوريات الثقافية والعلمية لشباب ظامئ للمعرفة غير الموجهة، وكوادر تمتلك القدرة على القيادة والتفكير لا مجموعة من الأفاقين مدعىّ الزعامة والبطولة والشطارة فى صنع السبوبات، أرى حزبا يعارض لأنه يمتلك البديل لا يعارض لأنه حزب المعارضة.

أرى ما أريد
أرى ما أريد من الإعلام، إنى أرى إعلاما ملكا للحقيقة لا للحكومة أو المال، إعلاما يعرف أن دوره نشر النور والثقافة لا بوتيكا لترويج المشروبات الغازية والبطاطس والعطور، أرى إعلاما يمثل الشعب بجميع طوائفه وفئاته لا يمثل عليه أن هناك شعباً آخر غيره، أرى إعلاماً به الثقافة أهم من حظك اليوم والشعر أغلى من النجوم والأبراج، والرواية مساحتها أكبر من الحوادث والقصة أولى من السودكو والكلمات المتقاطعة، أرى إعلاما يكون عنده الإعلان وسيلة للتطوير والتقدم لا غاية للثراء، أرى إعلاما يسير خلفه الشعب لا يسير هو خلف الشعب.

أرى ما أريد
أرى ما أريد من التعليم، إنى أرى تعليما يدخله آدميون ليخرج منه آدميون أفضل، لا ليخرج منه أنعام يحملون أسفارا، أرى تعليما تحكمه رؤية واضحة واستراتيجية وهدف، لا تعليم قائم على الصدفة والعشوائية والأهواء الشخصية، أرى تعليما يضع مدخلاته لأنه يعرف مخرجاته، يضع مناهج تعلم الطالب كيف يفكر ويبدع ويحاور وينتج، أرى تعليما يكون فيه المسرح والموسيقى والألعاب والمكتبة والأنشطة اليدوية كالتاريخ والجغرافيا والرياضيات، أرى تعليما يقدر المعلم فيجلّه الطالب ويحترم الطالب فيقدره المعلم، أرى تعليما بلا إرهاب فكرى وبدنى ولا خوف ولا خجل لأرى متعلمين بلا حزن ولا عقد، أرى تعليما يحارب القهر لا تعليم يصنعه.

أرى ما أريد
أرى ما أريد من الشعب، فأرى شعبا ضاحكا وابن نكتة يسخر من مشاكله وأزماته فتصغر أمامه ليعلو عليها، أرى شعبا يعرف أنه إن قال "لا" لن يموت وسيظل روحاً أبدية مجيدة، أرى شعبا حينما يحزن يغنى، وحينما يفرح يغنى، لأن "الغناوى" ممكنة وليست حراما ولا مكروهة. أرى شعبا يستطيع أن يفرق بين الغث والثمين وبين الضحل والنفيس وبين الحق والباطل، ولكنه لا يفرق بين الأبيض والأسود وبين الهوارى والحلبى والمسيحى والمسلم، والسنى والشيعى والكاثوليكى والإنجيلى.

أرى شعبا حينما يرى بنتا حلوة يقول "الله" ويكتفى، فلا نقرأ عن حالات تحرش واغتصاب، وحينما يسمع أغنية حلوة يقول "الله" فلا نسمع عن رجل ضرب زوجته أو طلقها لأنها تسمع لكاظم، وحينما يصيبه نقص فى الأموال والأنفس يقول "يا الله" فلا نسمع عن حالات قتل خشية إملاق أو فقر أو حالات انتحار بسبب عدم اللياقة الاجتماعية والتفاوت الطبقى. وحينما يفوز فريق كرة يشجعه أو يخسر يقول "الله" فلا نسمع عن حالات تشاجر أو اعتداء لأسباب كروية.

أرى شعبا يعرف أنه عظيم يستحق أن تدير شئونه حكومة عظيمة، تراقبها معارضة أعظم.
أرى ما أريد

"أرى ما أريد من السجن: أيام زهرة
مضت من هنا كى تدل غريبين فى
على مقعد فى الحديقة، أغمض عينى:
ما أوسع الأرض! ما أجمل الأرض من ثقب إبرة".. محمود درويش






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة