آخر أتوبيس للجنة بتأشيرة أمريكية إسرائيلية
الثلاثاء، 14 أبريل 2009 07:28 م
كتبت منال العيسوى
زينب بنت "صغار" وبتلعب دور الأم، قامت تعجن فى الفجرية، زينب تشبه فى سمارها شاتيلا، من تل الزعتر للبصرة وفى قانا بترقى عيال الشرقية فى مرايلهم. زينب كانت مثل كل الأطفال أو كانوا هم مثلها.. تختلف الأماكن ولا تكف الأرض عن الدوران فاليوم أنت بالشرقية بجوار مدرسة من دور واحد، ليس بها أكثر من ثلاثة فصول، و150 طفلا يحاولون ركوب آخر أتوبيس للجنة.
49 عاما تشكل ملامح جيل كامل من الشباب والأمهات، تاريخ محفور فى وجدانهم 8 إبريل 1970 يوم مذبحة مدرسة بحر البقر بالشرقية، يتأجج كلما ظهرت صورة أطفال تسحقهم الأيدى الإسرائيلية حين تداهم المدارس والبيوت. كانت الحصة الأولى الساعة التاسعة وعشرين دقيقة، ومدرس الفصل واقف يقول لهم طلعوا كتاب الدين، تتعالى أصوات بعضهم مش معانا فيذنبهم فى الفصل أحمد وطه وعادل، وواقف وراهم نجاة وزينب وطاهر، وفى الفصل اللى جنبهم كان سامى ومحمد وكحلاوى بيلموا الورق من الحوش عشان يلعبوا، ووليد وأحمد ومحمد شايلين مخلتهم القماش وبيطلعوا رغيف العيش وحته الجبنة.. جعانين ومتشوقين للعب وبيستنو العفو والمغفرة من الكبير.
ويشبكوا إيديهم ويغنوا من حقنا نحلم ولو كدا وكدا.. ونشوف الدنيا حلوة مع إنها مش كدا.. كان من حقهم يلعبون ويرسمون أحلامهم بالورقة والقلم، ومن حقهم يعفرون بالتراب أيديهم، ومع عرق اللعب ترسم أصابعهم الصغار خطوط المستقبل على وجوهم، يمتزج التراب بالعرق فيشكل وش طفلة مصرية سمرا بلون الأرض محفورة ملامحها فى وش أطفال العالم.
البسمة واحدة، والضحكة صافية، وعينان تشوفها بتكبر، والعمر واحد، يمكن يكون أبوها اسمه عبد الجواد أو صابر أو عبد العاطى, ويمكن يكون جاسم أو كرم أو ملحم، أو مروان أو غسان، لكن تفضل ضحكتها تشق جوف النهار، تسقط مع سقوط القنابل التى تحمل تأشيرة أمريكية الصنع للمرور للآخرة.. ألقتها يد إسرائيلية.
ربما تستطيع قنبلة واحدة أن تخرس كل أصوات العالم إلا صوت صرخة الأطفال المكتومة، قد تحرق أخشاب الأدراج لكنها لن تكون أشد حرقا من قلوب الأمهات والآباء، تطير معها أحلامهم فى الهواء تسابق أشلاءهم الممزقة على حافة الجدران، أو تتلون كراريسها بلون الدم، أو لون خارطة فى دلتا مصر أو قلب القدس أو على قارعة حى بالبصرة، ربما تجد نفسك بين أزقة قانا أو تخترق حوارى تل الزعتر، قد تخبرك سجلات الوفيات عن أسماء شهداء أطفال، لم تتركهم اليد الإسرائيلية أينما حلت أن يتفتحوا، لن تستهدف الأطفال لضعفهم لكنها تستهدف المستقبل، تستهدف قلوب الأمهات، تسعد حين تسمع أناتهن.
فإن كنت تقرأ أسماء شهداء مدرسة بحر البقر بالحسينية شرقية، فستعرف أن 8 إبريل عام 1970 التاسعة والنصف صباحا، تاريخ محفور فى ذاكرة الوطن، سجلت فيه الوحشية الاسرائيلية إحدى مجازرها التى لا تقل بشاعة عما حدث بتل الزعتر أو قانا، أو البصرة أو جنين، ستجد التواريخ مختلفة والأسماء مختلفة والمشهد واحد.. طفل يرسم بدمائه خطوط خارطة الوطن، لكن الفاعل واحد رغم مرور الزمن واختلاف التفاصيل، لم ينتهى الدرس بأمر إسرائيل ولن يلملم الأطفال الكراريس، لكنهم سيلحقون بآخر أتوبيس للجنة بتأشيرة أمريكية إسرائيلية.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
زينب بنت "صغار" وبتلعب دور الأم، قامت تعجن فى الفجرية، زينب تشبه فى سمارها شاتيلا، من تل الزعتر للبصرة وفى قانا بترقى عيال الشرقية فى مرايلهم. زينب كانت مثل كل الأطفال أو كانوا هم مثلها.. تختلف الأماكن ولا تكف الأرض عن الدوران فاليوم أنت بالشرقية بجوار مدرسة من دور واحد، ليس بها أكثر من ثلاثة فصول، و150 طفلا يحاولون ركوب آخر أتوبيس للجنة.
49 عاما تشكل ملامح جيل كامل من الشباب والأمهات، تاريخ محفور فى وجدانهم 8 إبريل 1970 يوم مذبحة مدرسة بحر البقر بالشرقية، يتأجج كلما ظهرت صورة أطفال تسحقهم الأيدى الإسرائيلية حين تداهم المدارس والبيوت. كانت الحصة الأولى الساعة التاسعة وعشرين دقيقة، ومدرس الفصل واقف يقول لهم طلعوا كتاب الدين، تتعالى أصوات بعضهم مش معانا فيذنبهم فى الفصل أحمد وطه وعادل، وواقف وراهم نجاة وزينب وطاهر، وفى الفصل اللى جنبهم كان سامى ومحمد وكحلاوى بيلموا الورق من الحوش عشان يلعبوا، ووليد وأحمد ومحمد شايلين مخلتهم القماش وبيطلعوا رغيف العيش وحته الجبنة.. جعانين ومتشوقين للعب وبيستنو العفو والمغفرة من الكبير.
ويشبكوا إيديهم ويغنوا من حقنا نحلم ولو كدا وكدا.. ونشوف الدنيا حلوة مع إنها مش كدا.. كان من حقهم يلعبون ويرسمون أحلامهم بالورقة والقلم، ومن حقهم يعفرون بالتراب أيديهم، ومع عرق اللعب ترسم أصابعهم الصغار خطوط المستقبل على وجوهم، يمتزج التراب بالعرق فيشكل وش طفلة مصرية سمرا بلون الأرض محفورة ملامحها فى وش أطفال العالم.
البسمة واحدة، والضحكة صافية، وعينان تشوفها بتكبر، والعمر واحد، يمكن يكون أبوها اسمه عبد الجواد أو صابر أو عبد العاطى, ويمكن يكون جاسم أو كرم أو ملحم، أو مروان أو غسان، لكن تفضل ضحكتها تشق جوف النهار، تسقط مع سقوط القنابل التى تحمل تأشيرة أمريكية الصنع للمرور للآخرة.. ألقتها يد إسرائيلية.
ربما تستطيع قنبلة واحدة أن تخرس كل أصوات العالم إلا صوت صرخة الأطفال المكتومة، قد تحرق أخشاب الأدراج لكنها لن تكون أشد حرقا من قلوب الأمهات والآباء، تطير معها أحلامهم فى الهواء تسابق أشلاءهم الممزقة على حافة الجدران، أو تتلون كراريسها بلون الدم، أو لون خارطة فى دلتا مصر أو قلب القدس أو على قارعة حى بالبصرة، ربما تجد نفسك بين أزقة قانا أو تخترق حوارى تل الزعتر، قد تخبرك سجلات الوفيات عن أسماء شهداء أطفال، لم تتركهم اليد الإسرائيلية أينما حلت أن يتفتحوا، لن تستهدف الأطفال لضعفهم لكنها تستهدف المستقبل، تستهدف قلوب الأمهات، تسعد حين تسمع أناتهن.
فإن كنت تقرأ أسماء شهداء مدرسة بحر البقر بالحسينية شرقية، فستعرف أن 8 إبريل عام 1970 التاسعة والنصف صباحا، تاريخ محفور فى ذاكرة الوطن، سجلت فيه الوحشية الاسرائيلية إحدى مجازرها التى لا تقل بشاعة عما حدث بتل الزعتر أو قانا، أو البصرة أو جنين، ستجد التواريخ مختلفة والأسماء مختلفة والمشهد واحد.. طفل يرسم بدمائه خطوط خارطة الوطن، لكن الفاعل واحد رغم مرور الزمن واختلاف التفاصيل، لم ينتهى الدرس بأمر إسرائيل ولن يلملم الأطفال الكراريس، لكنهم سيلحقون بآخر أتوبيس للجنة بتأشيرة أمريكية إسرائيلية.
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة