هو فادى وليس شادى، ولست أنا بالطبع "فيروز"، لذا فنحن لم نغنِ معاً، ولم نلعب على التلج، ولم نركض بالهوى, ضاع شادى ولكن فادى لم يضع!
الرابط الوحيد بين "فادى"، و"شادى" فيروز هو أن "فادى" صبى جميل من الأردن – أى شامى – أيضاً، وهو بطل قصة حب بلا نظير, نشرت عنها بعض الصحف العربية مؤخراً خبراً كالتالى:
"لم يجد صبى أردنى، فى الثانية عشرة من عمره، وسيلة للتضامن مع والدته، المصابة بمرض سرطان الثدى، سوى أن حلق شعر رأسه، بعدما تساقط شعرها نتيجة العلاج الكيميائى الذى تخضع له.
وقالت الأم وداد أبو كف، إنها اكتشفت إصابتها بمرض سرطان الثدى فى عام 2004، ولكنه كان آنذاك فى مراحله الأولى، وأنها بدأت مؤخراً تخضع لعلاج كيميائى "ما أدى إلى تساقط شعر رأسى"، مضيفة أنه "وسط حالة التأثر والحزن الشديدة التى كنت أعيشها فوجئت بابنى فادى وقد قام بحلق شعره بأكمله".
وأضافت أنه "عندما سألته عن السبب، قال لى: حتى أبدو مثلك"، وتقول وداد إن ما قام به ابنها رفع من معنوياتها ودفعها إلى النظر بتفاؤل للمستقبل بعدما كانت تعيش حالة من اليأس.
لم يكن الخبر ككل الأخبار, ولم يمر مرور الكرام, فأحياناً تحتاج لأن تقف متأملاً فى بعض مواقف الحياة لتفتش عن معنى دفين, وكنز ثمين.
أؤمن أن للـ "وعكات" الصحية أسراراً خاصة تضفيها على قيمة الحياة بأسرها وليس نعمة الصحة فحسب.
وهنا حالة من الوداد الخاص بين فادى وأمه خلقتها وعكة وداد, لم أرَ صورة وداد ولا فادى، ولكن التخيل كان كافياً لأن تعيش الحالة.
عجز فادى عن أن يعيش آلام أمه كأنها آلامه، فلجأ إلى حيلة التشبه فى الآثار الناجمة عن الآلام, هذا هو ما فعله فادى.
"الوعكة" إذا قد تعرفك على مشاعر بديعة كما فى الحالة التى نتحدث عنها, فليست فعلة فادى بالهينة ولا اليسيرة, ومن يعرف السمات الشخصية والنفسية لمرحلة المراهقة التى يمر بها فادى يدرك ما أقول. فـ "شعرات" فادى التى حلقها هى أغلى ما يملك, وهى التى يقف بسببها الشبان بالساعات أمام المرآة لأجل الجل والكريمات والصبغات والحركات!
فهل الأنا العليا لم تتضخم عند فادى كباقى المراهقين؟ أم أن تضخمها تضاءل أمام إحساسه بأمه؟! يقولون إن ثمرة الأمومة الصادقة تشبهها، فهل السر عند أم فادى؟! أم فادى؟!
أسئلة كثيرة فضولية تدور فى ذهنك, محاولة الإجابة عن مبرر منطقى لما فعله "الصغير" عمراً, و"الكبير" فى جرأته, "الصبى" فى مرحلته, و"الناضج" فى مشاعره وإنسانيته.
قبلات معطرة على رأس الصبى الذى ساند أمه كما لم يساندها أحد، قبلات حانية على رأس الصبى الذى رخصت شعراته أمام المشاعر الغالية، قبلات حارة للصبى الذى عبّر بالحركات عن كلمات قلبه, وجعل للحياة عند أمه "وداد" معناً بـ "وداده".