بينما تخوض المؤسسة الدينية معارك موزعة بين أموال البنوك والخروج على الحاكم الظالم، يبقى المصريون مشتتين بين أكثر من رأى فقهى وفتوى غير مبنى أغلبها على الإقناع، بقدر ما تقوم على القياس بأفعال الصحابة التى مرت عليها قرون، على الرغم من تغير الزمن، وكذا ضروراته ومتطلباته. فلماذا يبدو تجديد الفكر الدينى وكأنه يسير فى المكان، وربما إلى الخلف فى أحيان كثيرة، دون أن يخطو إلى الأمام، رغم إعلان كافة الأطراف نيتهم فى ذلك، وبمعنى آخر لماذا يفشل مشروع تجديد الفكر الدينى فى مصر والعالم الإسلامى.
المؤتمر الأخير أبرز صعوبة التحرك للأمام
عادة ما تعقد المؤتمرات وتخرج التوصيات وتصدر الكتب التى تتبنى هذه القضية، ألا أنه على أرض الواقع يبقى الوضع على ما هو عليه، فلا تزال الفجوة بين المؤسسة الدينية والواقع المعاش واسعة، إذ لا تتطور مع تطور الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمجتمع.
والمؤتمر الأخير الذى يعقد حالياً فى المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بعنوان "تجديد الفكر الإسلامى"، باعتبارها القضية الأكثر إلحاحاً، شابه الكثير من المفارقات التى تهدم فكرة الاتفاق من الأساس، ناهيك عن التحرك معاً من أجل التجديد. إذ على سبيل المثال لم يحضر الوفد الإيرانى الشيعى، وكان تمثيل الجانب اللبنانى سنياً فقط، مع حضور رجل الدين الشيعى آية الله حين المؤيد فقط ممثلاً للوفد العراقى.
البنا: "هما مبسوطين كده" ولا أحد معنى بالتجديد
المفكر جمال البنا يعتبر المؤسسة الدينية نفسها التى تدعو إلى تجديد هذا الفكر سبباً رئيسياً فى عدم التجديد، لأنها "مبسوطة كده" على حد قوله، حيث يعطيها الوضع الحالى مزايا كثيرة يمكن أن تؤثر عليها منها مكانتها الكبيرة التى تحتلها، ولذا فهى تقف ضد التجديد، ويعتبر المحاولات التى قام بها من قبل الإمامان المراغى وشلتوت هى تجديد جزئى فى الإسلام عن عمل المرأة ومثلها من القضايا وليس تجديداً شاملاً وجذرياً، ويقول إن الأزهر نفسه كان يقف ضد محاولات الشيخ محمد عبد للتجديد ويحاربه
تقديس الأسلاف هو سبب أساسى لعدم التجديد، كما يضيف البنا، لأن كل المؤسسة الدينية ذات أفكار سلفية لا تستطيع أن تخلص منها، ولا تستطيع أن تجدد فى الفقه لأنها ترى أن أصول الفقه هى القرآن والسنة والقياس، ولا يضعون فى أذهانهم تغير المكان والزمان، وبالتالى تغير الفتوى، كما يصف الإخوان بأنهم سلفيون لا يستطيعون أن يخلصوا من سلفيتهم، ويعتبر العلماء والمصريين "صاروا يعبدون أسلافهم".
ويتساءل البنا باستنكار عمن يهمه التجديد فى مصر؟ فالجميع من وجهة نظره ضد التجديد وكل هذه الحركات والتجمعات لا يهمها الدين ولا تبحث عنه ولا تريده.
فالذين يطرحون دعاوى التجديد هم أنفسهم فى حاجة إلى تطوير عقولهم، هذا ما يراه الدكتور جابر عصفور، فوزارة الأوقاف لا يرى فيها أحداً يؤمن بالتطوير إلا وزير الأوقاف، أما مؤسسة الأزهر فأغلب علمائها ضد التجديد من الناحية العملية ويكتفون فقط بالقول، إلى درجة أنه أصبح نفسه ضد التجديد، ويضيف "لو عايزين يجددوا يكتبوا عن رؤيتهم للتجديد وكيفيته، لكن المؤتمرات التى تعقد ليل نهار لا تغنى ولا تسمن من جوع ولا تقدم جديداً، فكل ما يحدث كلام فى كلام، وهو أشبه بما تقوله الحكومة عن الإصلاح".
ويصف مجمع البحوث الإسلامية بأنه يقف ضد التجديد بقوة عن طريق فكر المصادرة الذى يغلب على معظم علمائه، مثلما حدث فى كتاب المفكر ثروت عكاشة عن الفن، ووقف جميع الأعضاء ضده، وأنقذ الكتاب من المصادرة الدكتور أحمد كمال أبو المجد، بالإضافة إلى قانون الحسبة وغيرها من القضايا التى يتخذون فيها موقفاً ضد التجديد.
ويرى أن الحل يكمن فى تغيير جذرى فى المناهج الأزهرية وتطويرها، بالإضافة إلى تغير نظرة العلماء إلا من خلال هذا الفكر، وأن تصبح أحكام الفقه مرنة فى تطبيقها بما يتناسب مع ظروف ومتغيرات العصر الذى نعيش به بدلاً من تقيدنا بأحكام منذ القرن الأول الهجرى.
هناك محاولات ولكن يحبطها الجهلاء
الدكتور مبروك عطية الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بجامعة الأزهر، يرى أن أهم المعوقات هى بعض من لا علم لهم، والذين يحبطون كل محاولات التجديد ويجهضونها، بسبب البرامج الكثيرة فى التليفزيون والفضائيات التى يخاطبون من خلالها الناس ليل نهار بتشدد بالغ يؤدى إلى قبح، كما يحدث من هؤلاء الذين يأخذون بظاهر النص، رغم أن المنهج السلفى فى حد ذاته متجدد دائماً، ولا يشق على أحد ولا يكلف الناس مالا يطيقون ولا يكفر أحداً، ولا يرفع السلاح، ولكن المشكلة فى طريقة الدعوة إلى المنهج وفى الدعاة.
كما أن العادات والتقاليد الموروثة، كما يضيف عطية، معوق آخر يبغى مواجهته ويضرب مثلاً لذلك، وهو أن يحج المسلم أكثر من 4 مرات، مع أن الفرض مرة واحدة ويمكنه أن يصرف المبلغ المالى الكبير فى وجوه الخير، ولكن المسألة تحكمها فى بعض الأحيان الوجاهة.
ولا يغفل عطية الأسباب السياسية والاجتماعية والاقتصادية التى أضعفت انتماء الشباب إلى الوطن والدين، وحتى إذا كان هناك تجديد فهم غير مشغولين به، وإنما يهمهم الهجرة والمادة والبحث من مكاسب سياسية واقتصادية فى المقام الأول وليس الدين.
تجديد الفكر الدينى "حرام"
بينما لا يوافق الشيخ على أبو الحسن رئيس لجنة الفتوى الأسبق على مصطلح "تجديد الفكر الدينى" ويعتبره مصطلحاً خاطئاً، لأن أسس الإسلام وثوابته وأصوله من وجهة نظره لا تجدد، وإنما يمكن تجديد الخطاب الدينى فقط ويعتبر "تجديد الفكر" بمثابة إلغاء للثوابت وللأصول، رغم أنه لا خلاف عليها فى الإسلام.
وعن دعاوى بين المسلمين وبعضهم البعض والخلافات بين السنة والشيعة يؤكد أنها خلافات بين المذاهب، لأنه لا يصح أن نتشبث برأينا ونفرضه على المخالفين.
تجديد الفكر الدينى .. مؤتمرات وتوصيات وكتب لكن من يعطل التجديد؟
الأحد، 08 مارس 2009 02:11 م
شهد المؤتمر الأخير خلافات بين المشاركين فيه - تصوير: عصام الشامى
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة