بشرى أبو شرار، روائية فلسطينية ولدت وكبرت فى غزة، وانتقلت لتكمل تعليمها فى مصر.. تأسرك عندما تحدثك عن فلسطين وعن غزة التى عاشت فيها طفولتها ومازالت فى ذاكرتها، أصدرت مؤخرا روايتها "شمس" عن هيئة الكتاب، والتى يدور عالمها حول طفلة صغيرة اسمها شمس تعيش فى غزة، والرواية مقسمة إلى فصول كل فصل يمكن قراءته قراءة منفصلة على أنه قصة قصيرة.
اليوم السابع أجرى معها هذا الحوار فى الإسكندرية(حيث تسكن)..تحدثت عن غزة وعن حماس وفتح وعن دور مصر فى القضية الفلسطينية، وعن طفولة وبراءة شمس.
لم الاتكاء على المكان كبطل رئيسى فى روايتك شمس؟
بالفعل المكان هو البطل الأبرز عندى ، فأنا مقتلعة من هذه الأرض، عندى فقد مركب فلدى غربة واغتراب، يمكن أن يغترب الإنسان عن المكان، لكن المأساة أن يغترب فى المكان الذى يعيش فيه، أنا لست فلسطينية عشت فى الخارج، إنما أنا ولدت بها وعشت فى أرضها، فالأماكن وحكايات الأجداد والأب والأم كلها أحداث معلقة فى ذهنى، وغادرت فلسطين لكى أدرس هنا بالجامعة لأننا نرى جميعا أن العلم هو السلاح الوحيد لكى نعيش، فهو من روح المقاومة وليس فيه تفريق بين الرجل والمرأة.
وكنت أزور وطنى على فترات متباعدة، وأشعر فى كل زيارة أن ذاكرة المكان تقترب من الانتهاء، و فى آخر زيارة لى عام 2005 كانت أمى على قيد الحياة وعشت أزمة المعابر فى الذهاب والإياب، وتحت المطر رجعت، وكنت سجينة فى حافلة مغلقة لمدة 8 ساعات ننتظر أن يرفع المجند الإسرائيلى لنعبر، وفى نفس الوقت لدينا أوامر ألا نرفع أيدينا فى الحافلة لكى لا يصدر المجند أمرا بأن نعود وتضيع علينا 8 ساعات من الانتظار.
ما الذى تغير فى نظرتك لـ"غزة" قبل هذه الزيارة وبعدها؟
وجدت ذاكرة المكان تغتال، الأحراش وأماكن الطفولة تم تجريفها، غزة التى كانت تمتاز بيوتها بكونها قصورا من طابق واحد، صارت كتلة سكنية مصمتة، أين حدائق غزة وبيارات غزة، صارت خليطا ومزجا، واختلف نسيج غزة الاجتماعى، فكيف تتصور أننى أتوه فى شوارعها وهى التى كانت تتكون من أربعة شوارع فقط هى عمر المختار والوحدة والناصر وصلاح الدين، لقد صارت غزة عبارة عن متاهة.
هل التأريخ لغزة هو جزء من العمل ؟
ليس بهذا المعنى، لكن حين بدأت تفقد غزة ذاكرة المكان أردت أن أشكل مدينتى التى فى طريقها إلى الضياع، ولابد أن أعيد تشكيل الشخوص أبطال المسرح حين كانت حية بكر، فكانت رواية "شمس"، وفى هذا العمل تمتزج سيرتى الذاتية داخل العمل، لو لم أكتب شمس كان سيغيب تاريخ غزة بمكانه وشخوصه، أحببت أن أظهر المجتمع الإنسانى، حب الناس وعاداتهم وتقاليدهم، فى طفولتى لم أكن أخاف من الدبابة أو الطائرة، كل الأماكن مفتوحة أمامى كنت أركب الباص فى طفولتى إلى بئر سبع، ولم يكن يستوقفنا إلا حاجز واحد، وهى حياة لم تتح لجيل يعيش فى غزة الآن، فى روايتى حفظت جغرافية وطنى، لأنى حريصة على ألا يندثر هذا الجزء.
شمس كانت منطلقة ومتصالحة مع العالم داخل العمل رغم مرارة الأحداث حولها.. كيف هذا التناقض؟
شمس كانت تشعر بأنها طفلة بلا مكان، هو للكبار فقط، عندما تذهب لعرس لا أحد يهتم بها، ولا تجد محلات لملابس الأطفال واحتياجاتهم فى غزة، الطفل لم يكن فى دائرة الضوء أساسا، ومن هنا شكلت شمس عالمها بعيدا عن دائرة الضوء، وبدأت فى اكتشاف العالم المحيط بها خارج منزلها، ورسمت العالم بنفسها دون تدخل من أحد، كان عندها دراجة تلف بها غزة ..عندما استلمتها بين دفتى كتاب وقرأتها لم أنم فى هذه الليلة لأنها عادت غزة كما كانت وعاد شخوصها الذين غيبهم الزمان وطواهم الثرى، فقد رحل الأب والأم والجد والجدة وجميع الأبطال، المفارقة أن شمس فى الرواية مشيت وراء جارتها "أم صلاح" إلى المقبرة لأنها كانت صديقة وحبيبة لأمها، ولكن عندما ماتت أمها لم تودعها كما ودعت أم صلاح لأن المعابر حالت دون ذلك
تدور الرواية رغم حجمها الكبير فى نطاق زمنى ضيق هو طفولة شمس ولم تكبر إلا فى آخر مقطع فى الرواية..لماذا؟
كبرت شمس فى آخر مقطع عندما عانت من الغربة، وكأنه لم يكن لديها مشاكل إلا عندما سكنت مع أناس لا تعرفهم ولا يعرفونها، وكأن الإنسان لا يشيخ إلا بعد أن يخرج من وطنه، وعندما غادرت قررت أن تجمع أشياءها، وحاولت ألا تنسى منها أى شىء.
ولم استخدامك لهذه اللغة التى تعتمد على الوصف فى العمل؟
هذه لغتى التى أحبها، وهذه خصوصيتى، كل عمل من أعمالى له لغته الخاصة به لأن الأدب ينصب فى وعاء اللغة، وهذا العمل لغته رشيقة عن الأعمال السابقة لأن البطلة طفلة.
باعتبارك فلسطينية.. كيف ترين اختيار القدس عاصمة للثقافة العربية فى الوقت الذى مازالت فيه تحت يد الاحتلال؟
اعتبر هذه المسميات شكلية لأنها فقدت مضمونها وإحساسنا بها أيضا، ورغم أننى شاركت فى معرض الكتاب فى ندوة القدس فى الأدب العربى، ولكن هى محاضرات ومواد يجب أن نلقيها ونملأها، لكن أين هى القدس من الثقافة العربية، وما هى المجهودات التى تبذل للحفاظ عليها وعلى موروثها الحضارى. مازلنا نعيش فى سجن المسميات، اليوم القدس عاصمة للثقافة العربية، لكن العنوان مفرغ من مضمونه الحقيقى.
كيف ترين حالة الانقسام الداخلى بين فتح وحماس؟
ما لفت نظرى فى آخر زيارة لفلسطين فى 2005 إحساس مخيف، كنت أمشى فى الشارع لأجد أعلاما صفراء وخضراء وهى أعلام الفصائل، على كل بيت أناس مدججين، وحالة استنفار لنزيف الدم القادم، أنا بنت هذه الأرض، ونبت فى تراب هذا الوطن ولا أستطيع أن انتمى داخلى لا لفتح ولا حماس، وطنى فلسطين ونشأت فى أسرة شربت حب هذا الوطن، ولم أر والدى لا حمساويا أو فتحاويا فقط رأيته فلسطينيا.
فتح أفرغت من محتواها منذ فترة طويلة، وحماس اعتبرها شيئا دخيلا علينا لأنى ضد أن يتدخل الدين أو تتبنى حركة أصولية منهجا سياسيا فى دولة مدنية، وأدعو إلى مزيد من الوعى الفلسطينى بما يدور من حولنا.
وما إحساسك تجاه ما حدث من اعتداء إسرائيلى ضد فلسطين؟
ما حدث ليس بالجديد علينا، فهو استمرار لمسلسل طويل وممتد، كل القرى الفلسطينية هجرت وماتوا جوعا وعطشا وبردا وعاش الفلسطينى فى الخيمة، هل حدث أن اقتلع شعب من أرضه فى التاريخ القديم والحديث مثلما حدث فى فلسطين؟... إسرائيل أفرغت الساحة من قادة ورموز الحركة الفلسطينية الواعية والحقيقية مثل كمال عدوان وماجد أبو شرار وغسان كنفانى وكمال ناصر، وتركت لنا منظمات الفساد فقط.
الجديد فى العدوان الإسرائيلى الأخير هذا التوحش الذى زاد عن ذى قبل كثيرا، وعلى مرأى ومسمع من العالم بأكمله أصبحت إسرائيل توفد "ليفنى" لكل دول العالم لتأخذ صك اعتراف بما حدث، وهو ليس جديدا على هذا الشعب الفلسطينى، وحصار التجويع والإبعاد يتساوى مع الموت، لذا لم يعد هناك خيار أمام الفلسطينى إلا الموت على أرضه.
وكيف تنظرين إلى موقف مصر من هذه الأزمة؟
كل بلد تحكمه ظروفه الخاصة، يوجد خط اسمه الأمن القومى المصرى، هجوم إسرائيل على غزة بهذه الوحشية كان الغرض منه ابتزاز مصر لتدخل هذا الصراع، ودخولها كان مؤشر خسارة ، لأنه فى هذه اللحظة كل ما تتمنى الدول الكبرى أن توقعه على مصر سيتم تبريره، وسيقال مصر تساعد الإرهاب.العالم من وجهة نظرى تحكمه عصابة دولية، ويريدون أن يستدرجوا مصر إلى حلبة الصراع وتصبح هى بلد المواجهة، كانت وما زالت كل الفصائل تجلس على أرض مصر لتحل مشاكلها.
هذا الصراع لا تحله القوة لأنه يحكمه تبادل الأدوار والحنكة وكيف نحد من إجرام هذا العدو، وكل الحروب التى تدور منهجها.. كيف أدير الصراع، إسرائيل كيان زرع من المؤسسة العالمية فى الوطن ليظل موجودا، ونحن ليس لدينا توازن قوى مع العالم، وأمريكا وأوروبا متصالحان مع إسرائيل، ويجب أن نقف أولا بحوار حضارى وثقافى.
و ما آخر إبداعاتك؟
عندما كنت أكتب "شمس" كتبت رواية أخرى باسم "أنشودة شمس"، وستخرج للنور فى الفترة المقبلة، ويدور عالمها عن شمس المرأة الفلسطينية المثقلة بالهم والفقد، فقد الوطن والحبيب والأم، وحين ضاقت بها الأرض خرجت إلى عالم أثيرى فى الفضاء لتلقى أناشيدها، وكأنها مرثية الفقد الأبدى، وبعد ذلك لم تجد بداً من النزول إلى الأرض.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة