عن صحيفة لوموند الفرنسية
يبدو أن بعض الدول قد بدأت الآن فى اتخاذ إجراءات لمواجهة الأزمة المالية، قد تكون سبقتها إليها دول أخرى قبل هذه الأزمة بزمن بعيد. وهو الواقع الذى رصدته صحيفة لوموند الفرنسية فى عددها الصادر اليوم فى كل من ألمانيا واليابان.. يتعلق الأمر بمنتهى البساطة بفكرة قيام طلبة المدارس بتنظيف فصولهم بدلا من عمال النظافة. فإذا كانت مدينة هيلدشايم بشمال ألمانيا قد أقرت بهذا الاقتراح الشهر الماضى كنوع من التوفير بسبب الأزمة المالية العالمية، فإنه عادة من عادات دولة اليابان الذى يطبق منذ سنوات طويلة بمدارسها.
ألمانيا بين مؤيد ومعارض
ويذكر مراسل صحيفة لوموند فى ألمانيا أن بلدية مدينة هيلدشايم قد دعت طلبة المدارس بالقيام من الآن فصاعدا بتنظيف فصولهم بأنفسهم. وهو الأمر الذى اعتبرته بلدية المدينة أمرا ليس من المحرمات إذا كان سيوفر لها 174 ألف يورو سنويا من ميزانيتها.
وهكذا قام كيرت ماشنز، عمدة المدينة، فى الخامس والعشرين من فبراير، بإرسال خطاب يحمل توقيعه إلى مديرى مدارس المدينة الحكومية التى يصل عددها إلى 27 مدرسة، يعلمهم فيه أنه ابتداء من الأول من أبريل (وهو أمر لا علاقة لها بكذبة أبريل!!) لن يقوم عمال النظافة بعملهم سوى يومين فقط فى الأسبوع بدلا من خمسة، وأن الطلبة، بدءا من المرحلة الابتدائية، هم من سيتولون "كنس الفصول وغسل السبورة وإفراغ صناديق القمامة"، تحت إشراف مدرسيهم.
تذكر الصحيفة أن هذه المبادرة قد لاقت معارضة البعض وتأييد البعض الآخر، وأثارت جدلا واسعا فى الصحافة الألمانية.. فمن ناحية، واجهت انتقادات عديدة حيث تساءل أحد مديرى المدارس المعنية بهذا القرار: إذا كان طلبة المدارس سيتولون نظافة مدارسهم، فهل سيقوم فى المقابل موظفو البلدية بتولى مسئولية نظافة مكان عملهم؟ فى حين ذهب الممثل المحلى للحزب الاشتراكى الديمقراطى إلى أن تلك المبادرة ستجعل من مدينتهم مسارا للسخرية فى أنحاء ألمانيا، وأيده المتحدث الرسمى باسم وزارة التعليم، مؤكدا أن واجب الطلبة هو "التعلم وليس الكنس".
وتحت ضغط الجهاز التعليمى والآباء الساخطين نتيجة هذا القرار، حيث أجرى استطلاع للرأى كانت نتيجته رفض 64% من المواطنين لهذا الإجراء، اضطرت البلدية إلى الإقرار بوجود "خطأ فى الفهم"، وفسرت الفكرة على أنها إحدى "المساعى التعليمية" إذ أن دور المدرسة لا يقتصر على تلقين المعارف العلمية وإنما يمتد ليشمل كل أوجه الحياة ومنها تنشيط حس المسئولية لدى الطلبة، وأكدت على أن الأمر برمته متروك لإرادة كل مدرسة. وأضافت أنها لا تستطيع إلا القول إنها لم تعد تملك المال الكافى، ومن ثم ستتقلص مرتبات عمال النظافة بدءا من أبريل إلى النصف. وهكذا لن يكون أمام المدرسين والطلبة بدورهم أى اختيار آخر سوى تنفيذ الإجراء الذى أقرته بلدية هيلدشايم.. ومن أجل تحفيز الطلبة والمدرسين، تستعد البلدية بالفعل للاتفاق على طلبية مكونة من العشرات من المقشات والمكانس الصغيرة.
أما عن المؤيدين لهذا الإجراء، فمنهم العديد من الطلبة الألمان الذين يستعدون للقيام بهذه المهمة دون أن ينتابهم الشعور بالإهانة. وهو الرأى الذى تؤكده مدينة هامبورج، التى تطبق هذا النظام منذ 1995، حيث يقوم الطلبة بتنظيف وترتيب فصولهم فى 87% من مدارسها، ويستثنى منها المدارس الخاصة بالمعاقين، دون أن يكون لهذا الأمر تأثيرا على نتائجهم المدرسية، إذ أن، وفقا للمتحدث الرسمى فى مكتب التفتيش الأكاديمى، "كنس الفصل لا يستغرق أكثر من عشر دقائق يوميا".
اليابان وطريق النظافة
على النقيض، كما يذكر مراسل صحيفة لوموند فى اليابان، فإن تنظيف المدارس اليابانية هى مسئولية تعود على الطلبة أنفسهم منذ المرحلة الابتدائية، كما تروى إحدى السيدات اليابانيات كيف كانت وزملاؤها منذ سن الثامنة يقومن يوميا بتنظيف الفصول والممرات والحمامات وحتى الأماكن المحيطة بمبانى المدرسة. والهدف من ذلك هو تعليم الأطفال والشباب بالمدارس كيفية استخدام الأماكن العامة واحترام نظافتها، بالإضافة إلى احترام قواعد الصحة العامة.
ومن عادات اليابانيين أن يخلع التلاميذ أحذيتهم ويتركونها عند مدخل المدرسة كما يحدث عن دخول المنازل، ويرتدون كل صباح الـ"يوواباكى" الموجودة بالمدرسة، وهى أحذية خفيفة ينتعلونها طوال اليوم الدراسى.
يطبق هذه النظام المنضبط (لأنه أصبح تلقائيا) أثناء ممارسة الرياضات أيضا، حيث يقوم الطلبة قبل وبعد أى تدريب فى رياضة الـ"كيندو" مثلا (لعبة السيف التى يمارسها خمسة ملايين يابانيا) بتنظيف الأرضيات.
فى مثل هذا السياق، ليس من الغريب إذا ألا تمكن كتاب هيديسابورو كاجيامى عن فن التنظيف "طريق النظافة" الصادر فى 2006، من إثارة دهشة اليبانيين، الذين أصابهم الذهول عندما علموا بأن الطلبة الفرنسيين لا ينظفون مدارسهم، وتساءلوا : "من إذا يتولى تنظيف المدارس؟" !!!
عن صحيفة لوموند الفرنسية
الأزمة المالية تجبر الطلاب الألمان على تنظيف فصولهم
الثلاثاء، 31 مارس 2009 11:21 ص
تداعيات الأزمة المالية لا تزال مستمرة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة