المتزمتون الجدد

الخميس، 26 مارس 2009 04:29 م
المتزمتون الجدد سمر طاهر تتناول قضية المتزمتين الجدد
بقلم سمر طاهر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
شاهدت حلقة للإعلامية المتميزة "لميس الحديدى" من برنامجها (إتكلم)... كان ضيفاها الروائى الشاب محمد صلاح العزب، والذى أحدثت روايته ضجيجاً فى الأوساط الأدبية، والكاتبة غادة عبد العال صاحبة مدونة وكتاب "عايزة أتجوز" والذى صدر ضمن سلسلة مدونات الشروق منذ نحو عام مضى.

تطرق الحوار إلى عدد من الموضوعات، حاولت "لميس الحديدى" من خلالها – وكما هو معتاد – التعرف على الخلفية الثقافية للكاتبين، ودوافعهما للكتابة الأدبية، وفتحت عدداً من القضايا المثيرة للجدل، مثل رؤية الكتّاب الجدد للكتابة بالعامية المصرية، وموقفهم من دور النشر الجديدة، وأخيراً رؤيتهم للمناخ الثقافى المصرى، وهامش الحرية المتاح أمام المبدعين ليعبروا عن أنفسهم.

ويبدو أن "لميس الحديدى" كانت مقتنعة بوجهة نظر ما، ويبدو أيضاً أن الأديب الشاب محمد صلاح العزب قد اتفق معها فى هذه الرؤية، وهى أن المجتمع المصرى أصبح يرجع إلى الخلف، وأن هناك أصواتا عديدة فى المجتمع تدعو للتخلف والردة الفكرية، وأن المبدع أصبح مكبلاً بالخوف من الأفكار المتزمتة السائدة داخل المجتمع، وبالتالى يصبح من الصعب عليه أحياناً أن يفصح عن أفكاره المغايرة خوفاً من الإرهاب الفكرى الذى يمارسه المجتمع على أبنائه....

وسألت الإعلامية الشهيرة ضيفتها غادة عبد العال، وهى الكاتبة الشابة الوافدة من الأقاليم، عن رأيها حول هذا الموضوع، ويبدو أن الكاتبة غادة لم تتفق مع الرأى الذى قيل، حيث بدا أن "لميس الحديدى" تحاول أن تضع الكلام على لسانها كى تنزع منها اعترافاً ضد المجتمع المتزمت، وقد تلعثمت غادة قليلاً، لكنها ردت وبإصرار مؤكدة أن الرقابة التى تمارسها على نفسها هى رقابة ذاتية غير مفروضة عليها من أحد، بل تفرضها عليها تقاليد وعادات تؤمن هى شخصياً بها، وتلتزم بها من تلقاء نفسها، وعند هذا الحد انتهى البرنامج.... ولكن لم ينته الإعلام المصرى من الضرب على نفس الوتر ولكن بأشكال ونغمات مختلفة.

ففى نفس هذا الإطار حاورت الإعلامية "علا الشافعى" فى حلقة من برنامجها (ولاد البلد)، المطرب "على الحجار"، وتطرق الحوار إلى الهجوم الرجعى الذى لاقاه المطرب بعد طرحه لألبومه "حوا وآدم" فى الأسواق، حيث اتهمه البعض بالإساءة للأديان وللأنبياء.. وقد ناقشا معاً حالة التردّى الفكرى السائدة فى المجتمع المصرى.

ولم تكتف أيضاً "علا الشافعى" بهذا الحد، بل طرحت عليه سؤالاً – بصفته أول مطرب مجاز كقارئ للقرآن من قِبَل الأزهر الشريف – حول رأيه فى تفضيل رجل الشارع المصرى لقراءة القرآن بالطريقة الخليجية التى تتميز (بالعياط والنهنهة) على حد قول المذيعة، وقد أجاب "على الحجار" بذكاء قائلاً إنه شخصياً يفضل الأصوات المصرية فى قراءة القرآن، ولكنه لا يجد مانعاً فى أن يحب الجمهور الأصوات الخليجية، حيث يشعر الرجل العادى أن هذا الصوت الخليجى من عند النبى محمد صلى الله عليه وسلم.

ومؤخراً اقترنت صفة (التزمّت) التى يرى البعض أن المجتمع أصبح يتصف بها، بفكرة أخرى أو اتهام آخر وهو سيطرة ما يسمى بـ (المد الوهابى والخليجى)، والذى يرى البعض أنه قد أثّر فى المجتمع المصرى من خلال التحاق العمالة المصرية بدول الخليج منذ سبعينيات القرن العشرين وحتى الآن.

وقد أصبحت هذه القضية محوراً للجدل فى الآونة الأخيرة، فنادراً ما تجد مثقفاً أو مفكراً مصرياً إلا منتقداً لقوة العادات والتقاليد – بل والدين أحياناً – فى المجتمع المصرى، ولسيادة فكر المتزمتين والذى يرفض أى فكر جديد يُطرح من خلال الأدب أو الفن.

وأصبح بعض المثقفين فى حالة حنين دائم لحقبة الستينيات، حيث لم تكن مظاهر التدين – الذى يراه البعض وافداً خليجياً – قد ألقت بظلالها على الشارع المصرى، متمثلة فى انتشار ارتداء غطاء الرأس لدى السيدات المصريات، وإطلاق بعض الرجال للحية (الذقن) كسنة عن البنى محمد (ص).

بل زعم بعض المتوهمين أن الوجه الإسلامى لمصر – والذى فرضته الفتوحات الإسلامية – قد طغى على كل من الوجهين القبطى والفرعونى لها.

والحقيقة الغائبة عن أذهان هؤلاء أو التى يتجاهلها البعض منهم على الأقل، هى قدرة مصر على استيعاب العديد من الحضارات والثقافات عبر العصور، وصهرها بشكل عبقرى، مما أثرى الثقافة المصرية.. والشخصية المصرية بالضرورة، فى ظل حالة من التسامح عُرفت بها الشخصية المصرية فى "وقت سابق".

فللأسف لم تستمر هذه الحالة من "التسامح" و"قبول الآخر" إلى وقتنا هذا، بل سادت بالفعل حالة من التزمت، سببها انقسام المجتمع إلى طائفة من المتدينين الذين تمسكوا بفروع الدين وتركوا أصوله، الذين حرموا الفن والأدب وكل المتع المباحة، الذين اهتموا بالقشور ونسوا الجوهر، الذين تمسكوا بالسواك وحرّموا الفرشاة ومعجون الأسنان على أنهما بدعة وضلالة، الذين تمسكوا بالعادات التى اتبعها رسولنا محمد المصطفى (ص)، مثل تفضيل (التمر) على غيره من الأطعمة خاصة وقت الصوم، وفى ارتدائه للجلباب وإطلاق لحيته..... وفى الوقت نفسه صَعُب عليهم إتباعه (ص) فى حسن معاملة زوجاته، وخدمته لنفسه ولأهل بيته، وفى كظمه لغيظه، وإيثاره للغير على نفسه، وفى جهاده، وفى حبه للابتسام والترويح عن كل من حوله، وفى رفقه بالصغار والنساء والضعفاء، وفى رقة قلبه وفى إتباعه لمبدأ الشورى وفى وفى وفى... حدث ولا حرج....

وسادت أيضاً حالة من التزمت، أبطالها من طائفة أخرى هذه المرة، فئة من المثقفين وأصحاب الفكر والرأى، والذين شكلوا نخبة ثقافية منبهرة بالغرب الذى استعمر بلادنا لعقود طويلة، ومازال استعماره لها – ثقافياً وإعلامياً وفكرياً – سائداً حتى الآن، الغرب الذى كان ولازال هدفه تجريد البلاد المُستعمرة من خصوصيتها الثقافية والدينية، وإسقاطها فى فخ التبعية الثقافية وبالتالى السياسية والاقتصادية للغرب، من خلال فرض الأنماط الاستهلاكية التى سادت المجتمعات الغربية...

وقد انبهرت هذه الطائفة الأخيرة بقيم قدمها الغرب على طبق من ذهب، حرية الفكر والرأى والاعتقاد، قيمة الفردية، وإعلاء قيمة العلم، وغيرها من القيم النبيلة، التى نسى البعض أن الغرب قد تبناها حين وجد المصلحة تحتم عليه ذلك، ونسوا أن جوهر الدين قد أتى بكل هذه القيم ورسخها قبل عصر النهضة الأوربية بعهود طويلة.

وللأسف هذه الطائفة الجديدة هم "المتزمتون الجدد"، هم من يمارسون تجاه كل من يخالفهم الرأى نوعاً من الإرهاب الفكرى والمصادرة على الأفكار، وللأسف فإنهم يمارسون هذا التزمت وشعارهم هو "حرية الفكر"، فهم يحافظون على حرية تدفق أفكارهم بمنع الآخرين من اتخاذ مواقف فكرية ودينية بعينها، ومن السهل عليهم جداً إلصاق التهم الجاهزة بالآخرين ناعتين إياهم بالتطرف والتشدد والرجعية، ناسين أن حالة الردة الفكرية التى يعانى منها مجتمعنا تعود إلى عدد من المتغيرات المتشابكة، والتى يصعب حصرها فى سبب واحد، والتى أدت إلى إشاعة حالة من الفساد والتردى والفوضى العامة فى المجتمع، وعلى جميع المستويات الثقافية والاقتصادية والسياسية. وهكذا أصبح (التزمت) والنعت به، لعبة يمكن أن يلعبها اثنان، وقد غاب عن الطرفين المعنى الحقيقى للدين، وخلطا بين قيم الأديان السماوية وبين قوة العادات والتقاليد، متجاهلين أن الرُسل أنفسهم كانوا ثواراً على الأوضاع البالية، والثوابت، ومجاهدين ومجددين فى الفكر، فالدين الإسلامى يدعو للتحرر والإبداع..... فالبديع اسم من أسماء الخالق الأعظم، وعندما جمع مسلمون من عصور سالفة بين علوم الدنيا والدين، استطاعوا أن يحكموا الأرض، وقدموا نموذجاً راقيا للحضارة والإنسانية.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة