أثناء ركوبها الأتوبيس المكيف، صعد شاب يبدو عليه أنه مؤدب وابن ناس، وجلس بجوارها لتفاجأ بيده تلمس يدها، فأبعدت يدها ولسان حالها يقول"يمكن مش قصده"، لكنه كان متعمدا، فبعد لحظات امتدت يده لتلمس ساقها، فانفعلت وقالت له "احترم نفسك"، وطلبت منه أن يبتعد لتجلس فى مكان آخر، فاعتذر ورجاها ألا ترفع صوتها. بعد قليل وجدته يطيل النظر إليها، فارتفع صوتها لتطلب منه أن يجلس فى مكان آخر فاحمر وجهه ونزل من الأتوبيس.
تحرشات الأتوبيس والمترو أصبحت معتادة، أما "سوستة البنطلون" فتبدو جديدة نسبيا، فتقول إحداهن إنها شاهدت رجلا "فاتح سوستة البنطلون" وهو يجرى خلف مجموعة من البنات فى الشارع وذلك فى وضح النهار. وأخرى تؤكد أنه أثناء وجودها داخل إحدى كليات القمة، شاهدت رجلا يقف فى النافذة وسوستة البنطلون مفتوحة محاولا لفت نظر الطالبات فى إحدى قاعات الدرس.
فتاة أخرى فى العقد الثالث من العمر، تقسم مواقف التحرش إلى نوعين: النوع الأول، والذى يتكرر معها كثيرا، يتمثل فى محاولة من يجلس خلفها أن يضع يده على صدرها من خلال حشر يده ما بين الشباك والكرسى. أما الطريقة الثانية، فيقوم المتحرش بوضع شنطة على ساقيه ويضع يده تحتها لتفاجأ بيده على ساقها.
وكحال كل البنات تشعر فى البداية بالخجل من هذه المواقف، لكن بعد تكرار هذا الموقف لا تجد أمامها إلا أن تكشر عن أنيابها فترفع صوتها وتسب المتحرش، لكن رد الفعل المتخاذل من جانب الركاب جعلها تعتزل ركوب المواصلات العامة "باحترم نفسى وبركب تاكسى".
وتقول الفتاة، إنه من أكثر المواقف التى واجهتها غرابة، ذلك اليوم الذى ركبت فيه مينى باص لتجد من يضع أصبعه فى الكرسى من الخلف، ثارت ورفعت صوتها فهدأها أحدهم ثم جلس فى نفس المكان وفعل نفس الشئ، "طبعا نزلت من الأتوبيس ولم أفتح فمى وإلا اتهمنى الجميع بالجنون".
ويبدو أن رد فعل الناس المحيطين هو الذى يدفع الفتاة فى كثير من المواقف للصمت، فبدلا من إدانة المتحرش نلتمس له أى عذر، فهو إما شاب ضعف أمام إغراءاتها القوية وملابسها الملفتة، أو أنها غير محجبة وبالتالى حلال فعل فيها أى شئ.
موظفة محترمة تعمل فى البورصة، شاهدها الموظفون تصفع أحد العملاء على وجهه فانهال عليها بسيل من الصفعات، وعندما قررت أن تحرر له محضرا فى القسم لأن يده امتدت لتقرصها فى مؤخرتها، فوجئت بأن كل الرجال المتواجدين فى المكان شهدوا بأنه كان يصلى معهم، ولم يشهد أحد معها لأنها "غير محجبة وتستاهل"، وإذا لم تمتد يد الرجل لتتلمس أجزاء من جسد المرأة، يكتفى بالنظر إلى جسدها وفى هذه الحالة لا يمكن أن تفتح فمها.
ويبدو أن التحرش من الخبرات التى تتوارثها الأجيال وتنتقل من الأب إلى الابن فتحكى فتاة أنها شاهدت أب يقود السيارة ومعه ابنه الذى لا يتجاوز السابعة من عمره، حيث يعلمه الأب كيف يعاكس الفتيات بأقذر الكلمات، وبالتالى يصل الطفل للمرحلة الإعدادية ولديه حصيلة جيدة من الألفاظ والمواقف التى تساعده على "التحرش بالفتيات".
ومن الأتوبيس والمواصلات إلى زملاء العمل، فكثيرا ما يستغل الرئيس فى العمل منصبه ويحاول التحرش بالفتيات التى تعمل معه، وهو ما تعرضت له إحدى الفتيات وكان عمرها وقتها لم يتجاوز الثامنة عشرة، وتقول "بعد فترة طويلة من التلميحات التى لم أفهمها، طلب منى رئيسى فى الشغل إنه ينام معايا، وطلب ذلك صراحة وظل يطاردنى حتى تركت العمل" .. "شئ حقير جدا وغير إنسانى انى اتحول لمجرد جسد مع أنى محترمة ومحجبة".
ويبدو أن اعتياد المرأة على كون التحرش فعل تتعرض له يومياً، يجعلها تستخدم كل ما لديها من أسلحة فى وجه المتحرش، فعندما حاول أحدهم التحرش بها جسديا فى المترو، بصقت فى وجهه وهمت أن تضربه بالحذاء لولا أنه فر هاربا.
"إظهار الرجل لأجزاء حساسة من جسده يطلق عليه الطب النفسى تعبير "الاستعراء"، ذلك ما أكده الاستشارى النفسى دكتور هانئ السبكي، حيث يتعمد الرجل إظهار أعضائه التناسلية فى مكان ما يكون من مواصفاته أن تشاهده بعض الإناث فجأة فتصيبهم الدهشة والخوف، مما يجعله يشعر بالارتواء الجنسى ويصل إلى النشوة الجنسية من خلال ردود أفعالهن.
وهناك نوع آخر من التحرش يطلق عليه "التحكك"، وفيه يستمتع الرجل بالاحتكاك بالنساء فى وسائل المواصلات مما يشعره بسعادة بالغة ولا خوف من هذه النوعية، حيث يمثل الاحتكاك أقصى ما يرغب الوصول إليه. ويؤكد دكتور هانئ السبكى أن عقاب هذا المتحرش يعد خطوة فى سبيل علاجه من هذا المرض سواء التحكك أو الاستعراء.
