الطبيخ والتنظيف

الخميس، 19 مارس 2009 08:35 م
الطبيخ والتنظيف سمر طاهر تناقش مشاكل مطبخ البيت
سمر طاهر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من أول يوم اتجوزت فيه وأنا حاسة أنى عندى مشكلة كبيرة جدا فى البيت....على وجه الخصوص شغل البيت....أنا بحس انه مش دور الست أساسا بس هى ممكن تعمله تطوعاً لوجه الله...وكل الستات فى مصر مسئولين عن شغل البيت حتى الستات اللى بتشتغل...لازم انا كمان أحاول ابقى ست بيت على حق، مش معقول أنا يعنى دوناً عن الستات اللى هكون زوجة متمردة..

بس اكتر حاجة بتضايقنى لما الراجل _ أى راجل يعنى مش قصدى أنت بالتحديد _ مش بيقدر مجهود مراته أو حتى والدته فى البيت. مشكلتى أنا بقى كبيرة جدا ... لا والله مش بكرة شغل البيت ولا حاجة... أنا بس بكره "جزء" من شغل البيت، وللأسف الجزء اللى أنا بكرهه هو الجزء (الملموس) و(المحسوس) ... هو الجزء اللى كل الرجالة وأكيد أنت طبعا كمان بتحبه... " الطبيخ" .

ومن المعروف أن أقصر طريق إلى قلب جوزك معدته على رأى صلاح جاهين، وإن كل الولاد والرجالة همهم على بطنهم على رأى ميس مديحة مدرسة التدبير المنزلى فى الإعدادية لما كان حد من الصبيان يدخل علينا ويخطف " بطرمان " مربى الجزر، واللا كوباية حمص الشام من اللى احنا كنا بنعملهم فى أوضة التدبير.

وفعلا كان أخويا طول عمره بياكل أكتر مني، وبابا بياكل أكتر من ماما، وعمى بياكل أكتر من مرات عمى وأكتر من عمتى برضه... القصد، كان طول عمرى بحاول أحلل الموضوع ده، طبيعى جدا أن الراجل محتاج أكل أكتر وطاقة أكتر لأنه جسمانيا أضخم من الست، وكمان مفروض يعنى أنه بيبذل جهد أكبر، لأن اللى كبرنا عليه أن الراجل راجل، وده الرأى اللى فضلت أنا مقتنعة بيه ...

لغاية لما فى يوم كنت بتفرج على مسلسل (بين القصرين) ولقيت الست أمينة وبناتها واقفين على حيلهم لغاية لما أبوهم وأخواتهم الولاد يخلّصوا فطار، وبعدين يبقوا البنات ياكلوا اللى فاضل بعد كده، وساعتها حسيت أن موضوع الأكل ده مجرد عادات وتقاليد متأصلة عندنا من قديم الأزل، فالراجل كان منذ العصور الحجرية يستأثر بكل الأكل لنفسه بحجة أنه بيتعب ومحتاج يسند قلبه بلقمة تقويه على التعب اللى بيشوفه وهو بيجرى على طلبات كوم العيال وأمهم....

وأكيد يعنى لما الراجل بيرجع للكوخ بتاعه بعد يوم من المعاناة قضاه فى صيد الحيوانات، أكيد هيحس انه لازم يستأثر بالجزء الأكبر من هذا الصيد، مش هو اللى تعب وخطط وتعارك واصطاد الحيوان والدم طرطش عليه، بينما الست بتاعته قاعده متستته متهننة فى الكوخ مع العيال، بتعمل إيه يعنى طول النهار؟!

يعنى الموضوع مجرد عادة، الراجل ابتدعها منذ العصور الحجرية لأنه هو الأقوى، فهو اللى ياخد " الحتة الأكبر" ، واللى مش عاجبه يشرب من البحر، وشوفوا بقى مين اللى هيصطاد بعد كده .. وطبعا الست ساعدت الراجل على استمرار هذه العادة خوفا من بطشه وغضبه عليها وعلى العيال، ومحاولة منها لنفاقه وإرضائه رغم أنها تظل جعانة جدا بعد ما تاكل الفتفوتة الصغيرة بتاعتها، وبعدين تفتق ذهنها أنها طالما كده كده بتاكل الفتات، فمن الأفضل لها أن تدّعى الرقة والرشاقة وأنها أصلا أكلتها طول عمرها ضعيفة، يعنى تتعفف ولكن ليس عن مقدرة بل عن اضطرار..

ومع الوقت تحولت هذه العادة المتأصلة إلى ثقافة ثابتة راسخة، ليس فى المجتمعات الشرقية فحسب بل فى كل المجتمعات الإنسانية جمعاء.

فنجد البنت معزومة فى بيت خطيبها وسايبة المحمر والمشمر وعمّاله تاكل فى شوية سلطة وتشرب عصير، ونفس الشيء عندما يدعوها خطيبها للغداء أو للعشاء فى الخارج فتأكل القليل جدا وهى فى قمة الخجل، وعندما يسألها خطيبها أنتى دايما أكلتك قليلة كده ليه؟ تقول له " ده أنا أول مرة أتعشي".. وطبعا لو كانت عزومة فطار هتقول له زى ما قالت نبيلة عبيد لمحمود ياسين فى فيلم أيام فى الحلال "أيه ده كله..انا مش متعودة أفطر خالص"، مع إن الحكاية كلها انه كان عازمها على شوية عصير وكرواسون.. وهو يصدقها ويحمد ربنا أنه هيتجوز عصفورة رشيقة وكمان هتوفر له فلوس، وهو مش عارف أنها كانت ضاربة فول وطعمية على غيار الريق قبل ما تنزل تفطر معاه.

لكن طبعا الراجل لا تعيبه طفاسته، أو لا يعيبه كرشه، لأنه راجل وشقيان، ولازم يبيّن أنه أكّيل، وأنه متربى على العز فى بيت أمه وأبوه. ورغم كل ده، ورغم إيمانى فعلا بأن أقصر طريق لقلب الراجل معدته، إلا أن موضوع الطبيخ هذا لم ينزل لى من زور ولا من حلق أبداً، ومع ذلك تعلمته رضوخاً لرغبة أمي، لأنها لما كانت بتشوف أنى بكره المطبخ جدا، كانت تقول لى كلمة الأمهات الشهيرة " اللى هيتجوزك ده أمه هتكون داعية عليه " ، وكنت بحس أنها جملة متحيزة بل وعنصرية جدا، وكأن اللى هيتجوزنى ده كل غرضه البحث عن شغالة أو طباخة، وأنه عمره ما شاف أكل فى حياته، وكل هدفه هو الأكل وبس، مما جعلنى أكره فكرة الجواز أصلا.

وحتى بعد جوازي، ومع أنى ببقى نفسى أعملّك حاجات حلوة.. ( والحقيقة أنا بعمل ساعات حاجات حلوة )، لكنى ببقى زهقانة جدا من الطبيخ....بس الذنب مش ذنبي...لأن الطبيخ أساسا فيه عناصر كتيرة وتفاصيل عديدة. مثلاً لمّا آجى أعمل أكلة بامية أنت بتشوفها بسيطة جدا وبتاكلها فى خمس دقايق....بينما هى محتاجة خطوات كتيرة بداية من اختيار اللحمة كويس وتخزينها كويس فى الفريزر، ثم إعادة تسييحها من التلج وسلقها بحيث تكون مستويّة بس مش مهريّة.... وبعدين تنقية البامية بشرط تكون صغيرة عشان تكون " معسّلة " ، ثم تقميعها وغسلها، ثم إضافتها إلى اللحمة بس فى الوقت المظبوط بحيث كله يستوى مع بعضه...خصوصا إن البامية بتستوى بسرعة جداً.. فلازم ألحقها قبل ما تتهري، ده غير عمل التسبيكة من البصل (المبشور طبعا ) والطماطم (المعصورة والمتصفيّة) ، ده غير عمل الرز بالشعرية، والسلطة... وده كلّه يستنزف الكثير من الوقت والمجهود الجسدى والعصبى و..."النَفَس" ...ده غير التخطيط لعمل هذه الوجبة.... وفى الآخر بتطلع وجبة واحدة فقط تتاكل على الغدا... وقد تكون عادية ومتواضعة جداً من وجهة نظرك.

أنا بصراحة طول عمرى بحب التنظيف والتنظيم أكتر من شغل المطبخ....والكلام ده مش معناه إن التنظيف سهل...لا لا لا ....ده ممكن يكون أصعب...بس علشان أنا بحب النظافة والنظام من يومى فتلاقينى بستمتع بيه أكتر... لكن هو مش مجرد مقشة وفوطة ومنفضة – ولا مؤاخذة – جردل ميّة ....

لأ لأ لأ ...ده شغلانة هو كمان، السيراميك بيتنضف بحاجة معينة، والرخام بحاجة تانية، أما الخشب والباركيه فبحاجة تالتة خالص، ده غير شامبو السجاد، وترتيب الدواليب والأدراج، وتهوية البيت، وهش الدبان بعد تهوية البيت، ومسح الأرض، وغسل الفوط بعد مسح الأرض.....ياااه... شغلانة.....شغلانة فعلاً ما يعلم بيها إلا ربنا.

وممكن نسمّى عملية تنظيم وتنظيف البيت مسمى أكثر دقة وفخامة ويرضى غرورى أنا شخصيا، وهو " صيانة البيت صيانة دورية " ، وهذه الصيانة منها ما هو (يومي) مثل التلميع والمواعين...ومنها (أسبوعي) مثل التنفيض...ومنها (نصف شهري) مثل تهوية وقلب المراتب... ومنها (شهري) مثل تلميع النجف...ومنها (سنوي) أو (موسمي) يعنى كل "عيد" ، زى فك الستاير وغسلها...أو كل " طلعة صيف " زى غسل البطاطين وتخزينها..

وعموما مشكلة التنظيم والتنظيف للأسف – ورغم اتقانى لها - إنها أعمال غير ملموسة... ولأن الرجل يحب الأشياء المادية التى يمكن أن يراها بعينه ( زى الفراخ المحمّرة ) ، أو يمسكها بيده ويحصيها عدداً (مثل خمستاشر صباع محشى كوسة )، أو يشمها بأنفه ( مثل تقلية الملوخية ) ، فهو يقدّر الشيء الذى يُصنع من لا شيء، ولكنه لا يقدّر قيمة البيت المنسّق النظيف على أساس انه " كده كده كان نضيف من الأول " ، وان الست مالهاش أى فضل فى ذلك...
فحواس الرجل لللأسف لا تشعر بما هو غير ملموس، لأن الطبيخ نتيجة مادية محسوسة على عكس التنظيف...

ولذلك كان نفسى جدا تقدّر موهبتى الخفية بأية طريقة، لدرجة إنى أتمنيت انك تتجوز عليّا واحدة تانية، بشرط تكون مهملة جداً فى البيت ، وأشعر أن ما سيحدث سيكون قادرا على أن يشفى غليلي، لأنك ستعرف وقتها معنى أن يكون البيت قذرا كالزريبة، ومعنى أن يكون البيت غير منظم...ولكن بعد تفكير شعرت أن هذا السيناريو قد لا يكون دقيقاً، لأنك ببساطة عندما تتزوج مثل هذه المرأة قد لا تشعر بقيمتى أنا، لأنها للأسف قد تكون شاطرة فى المطبخ، وبالتالى ستأكل عقلك بأكلها وأنت تتخن اكتر واكتر، ويكون هذا طريقها إلى قلبك ، وبالتالى لن تلاحظ أنت إن البيت غير نظيف من أساسه، ولذلك فأنا غير مُصرّة على تحقيق هذه الأمنية، ومش مهم تحس بمجهودى فى البيت، ورزقى بقى على الله.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة