ناهد إمام

أمَّايا يمَّا

الخميس، 19 مارس 2009 11:12 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يعجبنى الغوص فى أعماق الكلمات.. ويأسرنى تدفق اللآلئ عند الغوص فى "الأمومة".

وأحب أن أمسك بالمرآة وأتأمل قسمات وجهى التى تجددت وتحددت منذ 13 عاماً وأردد أنا "أمّ".. ثم أجلس إلى نفسى أتأمل المسمى وأتذكر أول مرة سمعت فيها "ماما"، أفتش عن مؤهلات المسمى الذى أضيف إلى باستحقاق إلهى، وأبحث فى إنجازاتى فيه، ربما استكمل نقص سيرتى الذاتية المرفقة بـ"أمومة" وأعدّل فى مساراتي. ألغى ذاتيتى فى الأمر وأتأمله معنى مجرداً فأجدها أرضاً طرحت من البذور ثماراً, ومن ذبذباتها صنعت أفكار إنسان، وكنهه، وشخصيته ونفسه.. بيئة متكاملة كونت رجالاً ونساءً.

أتعمق فى تأملاتى فأجدها "حــــــــالة" نعم حالة خاصة جداً.. حالة لا تنتهى على عكس كل الحالات، حالة من الارتقاء والاحتضان.. حضن يتلقفك جنيناً ثم رضيعاً ويظل الحضن مهموماً بهمك أبد الآبدين.. حضن يتألم عندما تخط سنة الحياة فى النمو الجسدى شارباً على وجه الصغير، فما عاد يستطيع أن يحتضن كما كان يدمن الفعال.. ويظل الحضن فى اشتياق للحضن الأول والضمة فى الأحشاء.. فليس لضمة "الضنا" مدى ولا منتهى ولا مكان.

وفى أثناء التأملات ومن أحد الأركان الخاصة فى منظومة المعنى يتقافز كائن جميل اسمه "الحب غير المشروط" يلاحقنى بالدليل والحجة من سير خاصة لكل الأمهات منذ بدء الخليقة إلى ما شاء الله.. إنه حصرى وخاص للأمهات.

ولأن الأمومة تعيش فى كبد الحياة فإن المداخلات لا تخلو من القساوة والنكران المجتمعى والإنسانى والمادى، لا يخلو الأمر من الأحزان والانكسارات والمعاناة واللامبالاة، ولكن الجهاز الحساس داخل الأمومة لا يتعامل مع هذه المداخلات بمنطقية أبدا فتتشابه المخرجات.. كلا.. إنه الجهاز الوحيد فى الكون الذى من الممكن أن تدخل له حجراً فيخرج لك ورداً وابتسامة و.. حضنا!

حضن يتخطى كل متاعبه ومشكلاته لأجلك.. لأنك أنت هناك علامة مضيئة فى نهاية نفق العيش، أنت تنتظر وأنت عنده تستحق، المصلحة العليا المعتبرة هى مصلحتك فأنت للحضن وطن.. وهو لك أيضا وطن فى علاقة تبادلية ندر أن تجدها. وعندما تطحنك الأيام لا تجد غير هذا الحضن ليقيك من غوائل الزمان كما تقى صنائع المعروف مصارع السوء!

ليس هذا وحسب بل وهناك أيضاً "عَرض" فهذا الحضن يمنحك دعوات مستجابات ليس بينها وبين الله حجاب.. هذا الحضن يا أصدقائى لا يمكن أن تعبّر الدراهم أو الريالات أو الدولارات عن وجوده بهدية فى يوم فى شهر فى عام.. فهو مفتوح طوال العمر، لا يغلق للتحسينات وليس له أوقات للراحة!

والعجيب والمثير للأسى أن هذا الحضن نفسه هو المهان رقم "1" فى كثير من مجتمعاتنا العربية وخاصة فى المعارك بين الشباب "الذكور" إلا من رحم ربى، مادة للهزار وللسخرية وإظهار الجرأة، وبالتفاتة بسيطة واحدة من نافذتك أو فى شارعك أو حتى فى فيلم عربى تستطيع أن تسمع فيها عقوقاً لسانياً خادشاً للإيمان والآذان والإنسان, قاموس شتائم الأمهات يحتاج إلى من يلقى القبض عليه ويعدمه شنقاً أو حرقاً أو غرقاً أو حتى رمياً بالرصاص!

وأخيراً لا تدعوا أحضان أمهاتكم تئن تحت وطأة الظروف والانشغال ومعارك الحياة التى لا ولن تنتهى، لا تسمحوا بأن يعلو صوت الأنين بطول البعاد ولوعة الانتظار وتسويف الاحتضان، لا تسمحوا للشراسة الإلكترونية، والتكنولوجية، أن تسرق منّا أحضان أمهاتنا.. فغداً ستئن أحضاننا نحن شوقاً إلى أحضان أمهاتنا ولكن.. هيهات!
قوموا إلى أمهاتكم يرحمكم الله.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة