◄بطلان الصوت قد يتم بشكل متعمد اعتراضا على المرشحين أو لعدم دراية الناخب بالقانون وإجراءات عملية التصويت
انتهت معركة الانتخابات.. ولكن معركة القضاة لم تنته بعد، وتلك الروح الديمقراطية التى استقبل بها قادة تيار الاستقلال الهزيمة الانتخابية العنيفة، لا تعنى أننا لن نسمع أصواتا صادرة من نادى القضاة بعد الآن.
ما هو قادم يبشر بتحركات صحية داخل نادى القضاة، ومعارك من الشد والجذب بين تيار الاستقلال الذى نزل من على كرسى الحكم فى نادى القضاة إلى صفوف المعارضة داخل النادى، وبين تيار وصف إعلامياً بأنه تابع للحكومة الذى بدأ المعركة مبكراً بتصريحات المستشار أحمد الزند بتحديد الممنوع داخل نادى القضاة - الوقفات الاحتجاجية كمثال- وهى التحكمات التى لن يوافق عليها تيار الاستقلال بسهولة.
هذا هو ما يمكن استخلاصه من نتائج الانتخابات الماضية التى جاءت مفاجأة للكثيرين، بسبب الفارق الواضح فى الأصوات بين ما حصل عليه المستشار أحمد الزند (2421 صوتا) وما حصل عليه المستشار هشام جنينة ممثل تيار الاستقلال (2038).. 384 صوتا تفوق بها المستشار الزند وجبهته، جعلت التوقعات تؤكد أن اختيارات القضاة حسمت مصير تيار الاستقلال وحددت رغبات القضاة القادمة، وهو الحسم الذى لا يمكن الجزم به قبل انتخابات نادى قضاة الإسكندرية، ونتائجها التى ستصبح المحدد الرئيسى لملامح الصراع فى نادى قضاة مصر بشكل خاص وفى ملف العدالة والقضاء بوجه عام؟
وإذا كان الجميع قد اطمأنوا لنتائج المعركة واستقبلها تيار الاستقلال بروح رياضية دون أن نسمع صوتا واحدا ينال من سمعة العملية الانتخابية ونزاهتها كعادة أى انتخابات مصرية، حتى لو كانت انتخابات اتحاد الطلبة، بشكل يمثل نادرة فى الحياة السياسية بمصر، وبطريقة لم تكن غريبة على رجال القضاء الذين عهدناهم أمناء على عدالة سير العملية الانتخابية حينما يشرفون عليها كما فعلوا فى انتخابات 2005.
يتبقى رقم واحد فقط جاء ضمن نتائج العملية الانتخابية الأخيرة لنادى القضاة غفل عنه الجميع رغم أنه يحتاج لوقفة ومن بعدها تفسير، لأنه ليس من الطبيعى أن تتضمن نتائج عملية انتخابية يمارسها الصفوة القانونية فى البلاد رقما يؤكد وجود 159 صوتا باطلا، قد لا يعنى لك الرقم شيئا فى ظل الآلاف من الأصوات الباطلة التى نسمع عنها فى انتخابات مجلس الشعب أو انتخابات المحليات، ولكنه بالتأكيد يعنى الكثير إذا كنا نتكلم عن قضاة مصر الذين نطالب بإشرافهم الكامل على العمليات الانتخابية ضمانا لنزاهتها وسيرها فى الطريق الصحيح، قد لا يعنى لك الرقم شيئا إن كنت قد اعتدت أن يخطئ الجميع فى وطن لا يهتم أبدا بوضع أخطائه فى حيزها الصحيح.. ولكن أن يكون هناك 159 صوتا باطلا فى انتخابات نادى القضاة الأخيرة، فهذا أمر بلا شك غريب ومخيف، وفى الوقت نفسه ليس له علاقة أبداً بنزاهة العملية الانتخابية ونتائجها، لأنه يتعلق بالقضاة أنفسهم وثقافتهم الشخصية والقانونية، على اعتبار أن هذه الأصوات الباطلة لا تعنى سوى أمرين لا ثالث لهما، الأول أن هؤلاء القضاة تعمدوا إبطال أصواتهم كنوع من الاعتراض على المرشحين من الطرفين، أما الأمر الثانى فيتعلق بمدى معرفة القضاة بطبيعة إجراءات التصويت داخل اللجان ومدى درايتهم بقواعدها.
السطر الأخير لن تفهم مغزاه إلا إذا أشرنا إلى مفهوم الصوت الباطل وكيف يتم حسابه باطلا قانونيا، وضع خطا أو عشرة ببنط عريض تحت كلمة قانونيا، لأننا سنحتاجها فيما بعد، يعتبر الصوت باطلا إذا ثبت به أكثر من العدد المطلوب انتخابه بمعنى اختيار مرشح زيادة عن القائمة المحددة، أو إذا تمت عملية التصويت على غير الورقة المخصصة للتصويت والمختومة بختم اللجنة التى تقود العملية الانتخابية، كما أن وجود أى علامات تشير إلى شخصية الناخب أو تدل عليه تكون سبب بطلان للصوت، وهو نفس ما يحدث إذا لم تتضمن الورقة أية اشارة تفيد بالإدلاء بالصوت الانتخابى، أو كان بالورقة نوع من الكشط أو التشطيب. الإجراءات السابقة هى الخطوات القانونية المتبعة للبحث عن الصوت الباطل، والتعثر فى هذه الإجراءات وارتكابها لا يعنى فقط بطلان الصوت بل يعنى بالتبعية عدم الدراية القانونية للناخب بعملية التصويت، وإذا كان الأمر يمكن تقبله من فلاح أو عامل باليومية فى انتخابات البرلمان، فهو أمر يصعب تقبل حدوثه من قبل قاض وظيفته الأساسية هى القانون وتطبيق إجراءاته، كما أنه يفتح سؤالين أصعب من بعضهما، الأول عن مدى إمكانية الاطمئنان إلى الإرشادات التى قد يطلبها أى ناخب فيما بعد من القاضى المشرف على سير أى عملية انتخابية فى المستقبل، والثانى عن طبيعة العملية الانتخابية ومدى صعوبة أو تعقيد إجراءاتها، لأن سقوط عدد من قضاة مصر فى هذا الفخ يشير بشكل أو بآخر إلى أن هناك خطأ ما، أو صعوبة ما فى إجراءات التصويت بالعملية الانتخابية بشكل جعل من سقوط 159 قاضيا فى هذا الخطأ أمراً سهلاً، بطريقة تشير إلى ضرورة مراجعة الإجراءات الانتخابية بداية من كشوف الانتخابات حتى عملية التصويت، لأن الأزمة لم تعد لدى رجل الشارع البسيط الذى نعلق الخطأ فى رقبة جهله واستهتاره، بل يعانى منها الآن نخبة المجتمع القانونى نفسه. الناشط الحقوقى نجاد البرعى لا يرى أن وجود هذا الكم من الأصوات الباطلة فى انتخابات نادى القضاة دليل على عدم وعى أو دراية بالقانون، مرجحا أن يكون للأمر علاقة بتعمد أصحاب هذه الأصوات إبطالها لعدم موافقتهم على المرشحين.
كلام البرعى مقبول، ولكنه يطرح تساؤلا جديدا بخصوص ظهور تيار ثالث داخل نادى القضاة يرفض وبهذه القسوة ممثلى التيارين المتنافسين تيار الحكومة وتيار الاستقلال، لدرجة أنه فضل الذهاب إلى صناديق الانتخابات لإبطال صوته بدلا من الاكتفاء بالجلوس فى المنزل والامتناع عن التصويت، فهل تحمل معركة الإسكندرية الانتخابية القادمة أى ملامح جديدة، أو ظهورا أوضح للتيار الثالث فى نادى القضاة؟ الإجابة ستظهر قريبا حينما يبدأ تيار أحمد الزند ممارسة مهامه بشكل عملى داخل النادى والوسط القضائى بشكل عام.
لا يمكن أن نتهم المواطنين البسطاء بعدم النضج بعد أن وقع صفوة المجتمع القانونى فى نفس الخطأ
هل يعنى وجود 159 صوتاً باطلاً فى انتخابات نادى القضاة أن قوانين الانتخاب وإجراءات التصويت معقدة وصعبة؟
الجمعة، 27 فبراير 2009 02:28 ص