العرب جميعًا يتمسكون بقضيتهم المركزية؛ فرغم محبة السلام؛ إلا أن العدال أساس البقاء؛ فلا حياة دون سلام عادل، هنا نتحدث عن الدور المصري المحوري، الذي يقدره ويثمنه العالم الحر؛ ممن يفقهون، ويتفهمون، مساعي التعايش السلمي، وأهميتها في تعزيز السلام، واستبعاد مسارات العنف، والنزاع، المؤديان للكراهية، والتباغض؛ فالشعوب لا تنسى، والحقوق لا تضيع، ما دام ورائها مطالب، وصامد، ومتمسك بثوابته، وراسخ على موقفه.
يشير التكامل بين مخرجات القمم العربية، إلى أن العرب قاطبة على قلب رجل واحد؛ فالسلام الذي يعضد الاستقرار، لن يتوافر في غياب التغاضي عن الحل الوحيد للقضية الفلسطينية، المتمثل في حل الدولتين، بناءً على حدود عام (1967)؛ للتمكن من إقامة دولةٍ فلسطينيةٍ مستقلةٍ، عاصمتها القدسُ الشرقيةُ، وهذا ما بدى أيضًا من خلال ما تم عرضه من مناقشات ثرية، داعمة للقضية الفلسطينية.
عبر ما تواتر من كلمات راقية في القمة، والتي ثمن الجميع فيها الجهود المصرية المضنية، تجاه مجريات الأحداث، المرتبطة بالقضية الفلسطينية، والجميع يشهد بأن مصر لم، ولن يتغير موقفها التاريخي؛ لأنه يقوم على حقيقة لا شك فيها ولا مراء، وهي حق الفلسطينيين في أرضهم، وعدالة قضيتهم، التي دافعت عنها مصرُ بداية من 1948م، إنه موقفٌ يقوم على عقيدة راسخة، تتمثل في أن تصفية القضية الفلسطينية، يُزيد من لهيب الصراع، ويُعْلى من وتيرة النزاع؛ فالشعوب جيل بعد جيل، تدرك ما لها، وما عليها، ولن تترك حقوقها تذهب سدى؛ فلا أمن، ولا أمان تحت سماء غابت عنها شمس الحق، والعدل؛ ومن ثم سوف يعيش الجميع تحت وطأة التهديد مهما دشن من سياجِ الحماية.
ثمن الجميع في كلماته، صلابة الشعب الفلسطيني؛ ومن ثم نكرر حديثنا، ونؤكد على أن من يرى بأم عينه صور القمع، والقهر، والقتل، والانتهاك، ومن يرصد بشاعة تدمير الحجر، والبشر، ومن يُشاهد آليات عزلة الشعوب، والمجتمعات، وتهميشها، وتأكيد حالة العوز، وصولًا إلى منع أدني مقومات، وأساسيات الحياة، هل يأمن المكر والجور؟، وهل يتنازل عن أرضه التي تمثل عرضه؟ ، وهل يتناسى حضن موطنه، وغلاوة ترابه؟، وهل يرتضي مزيدًا من الضيم؟، وهل يقبل بخطة التهجير؟ إنها إجابةُ واحدةٌ لا تقبل التفريد، أو التجزئة، أو حتى التأويل.. لا للتهجير، وإن فاضتْ الأرواحُ، وفارقت الأجساد؛ فسوف يجعل الله – عزوجل- بعد عسرٍ يسرًا.
أكدت القمة العربية الطارئة، في أولى قراراتها، على مبدأ رئيس، لا تنازل، ولا تغاضي عنه، وهو السلام العادل الشامل، الذي يجعل العلاقات بين الجميع داعمة لمسارات التنمية المستدامة، وفق تعزيز لفلسفة التعايش السلمي؛ ومن ثم لا سلام في مناخ، يقوم على الصراع، والنزاع، والقتل، والترويع، والتهجير، وهنا ينبغي أن تسود القيم، والمبادئ الإنسانية، والقوانين الدولية، ويعمل في خضمها الجميع دون استثناء.
الولايات المتحدة الأمريكية، مع جميع الأطراف، تستطيع أن تفرض الأمن، والأمان، والاستقرار، وتنهي حالة النزاع والصراع؛ إذا ما تكاملت الرؤية حول الحل العادل، المتمثل في إقامة الدولتين، وهنا يتوجب أن تستأنف مسارات السلام، برعاية أمريكية وعربية؛ لتصل لحلول ناجزة؛ ليذهب الاحتلال إلى غير رجعة، ويستعيد الشعب الفلسطيني حريته، ويتخذ سبيله، نحو الإعمار والنهضة، وتطوى الصفحة المليئة بالأحداث الدامية، وتفتح صفحة ناصعة، يسطر فيها الشعب ملاحم حضارته وازدهاره.
تهجير الشعوب ليس مخالفًا للقوانين الدولية فقط، بل جريمة ترتكب في حق الإنسانية، وهذا موقفٌ ثابتٌ راسخٌ تمخض عن القمة العربية الطارئة؛ حيث الرفض القاطع للتهجير، بل ورفض كافة الممارسات، التي تؤدي إلى هذا المخطط المقيت؛ فلن يقبل العرب قاطبة تلك الدعوي، تحت أي حجة، أو مبرر، أو مقايضة، كما أن الرفض متواصل، تجاه ممارسات الكيان الغاشم، الذي أوقف دخول المساعدات، وأغلق المعابر، وقام بالعديد من الانتهاكات؛ استكمالًا لمخطط التهجير، وتحقيق مكاسب سياسية دميمة.
خطة مصر لإعمار غزة، تبدو مثالية، ومنطقية، وواقعية، وتكاملية، يشارك فيها الجميع دون استثناء، وتدحر فكرة التهجير ومبرره، وهذا يستوجب تعاون صادق، من قبل جميع الأطراف، كما يشمل طرفا النزاع؛ فالجميع ينبغي أن يتنازل؛ من أجل تحقيق السلام، واسترجاع حقوق الشعب الفلسطيني المسلوبة، كما أن الخطة تشمل في طياتها، استكمال المسار السياسي؛ ومن ثم هناك حشد داعم عربي ودولي؛ لتنفيذ خطة الإعمار المقدمة من جمهورية مصر العربية.
ما زالت مصر تحشد الجهود المخلصة؛ من أجل استكمال تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، لمرحلتيه الثانية والثالثة، وأهمية التزام كل طرف بتعهداته، وهذا يؤكد أن مصر وقيادتها السياسية، تفتح ذراعيها لكل ما من شأنه، يحقق السلام والاستقرار للمنطقة، ويعيد الحقوق لأصحابها؛ فما يتدفق من حدود مصر تجاه القطاع في صورة مساعدات، إنما هو واجب، لم ولن تتوقف عنه الدولة، وشعبها، وقيادتها، مطلقًا.
مرونة التعاطي المصري كان واضحًا في القمة الطارئة؛ فقدمت الخطة، وابدت المرونة للتعديل، واستيعاب آراء وأطروحات الجميع؛ فالشراكة مدخل فعال في الوصول للغاية، ويسهم في إعادة الإعمار والعمران المادي منه، والبشري، على حد سواء، وهذا أيضًا يفتح المجال للمشاركات، بكل صورها، وأشكالها الفكرية منها والمادية، ولم تترك الخطة المسار الدبلوماسي، الذي يدفع بعملية السلام للأمام.
حق إدارة المشهد الفلسطيني من داخله، وهذا ما تفق عليه الجميع؛ ومن ثم يمهد ذلك تعزيز تمكين السلطة الوطنية للعودة إلى غزة، تجسيداً للوحدة السياسية، والجغرافية، للأراضي الفلسطينية؛ ومن ثم جاء قرار مصر برفض إدارة القطاع حاسمًا؛ فالأمر يتعلق بغايات استراتيجية، اتضحت في أذهان الجميع، وهنا تبدأ مرحلة جديدة، تحت حماية أممية من خلال نشر قوات دولية لحفظ السلام.
لقد ساهمت الخطة المصرية في فتح آفاقًا تجاه المكون السياسي والمجتمعي؛ لتبدأ مراحل الإصلاح الشامل؛ لينال الشعب كافة حقوقه، ويستطيع أن يحيا بحرية، ويستكمل طريق استدامة التنمية بكل أبعادها، وهذا يمكنه أن يتحقق تحت مظلة فلسطينية واحدة، في ضوء رفع راية جامعة للمكون الفلسطيني، بكل أطيافه دون استثناء.
مراعاة حرمة الشهر الكريم، والأماكن المقدسة لم تتركه القمة الطارئة في مناقشاتها وقراراتها؛ فلا مجال لمزيد من ممارسات؛ تؤدي للكراهية والعنف؛ فكانت الدعوة واضحة تجاه ممارسة الشعائر بحرية، وأمان، واحترام المقدسات، وتوقف محاولات تهجير الفلسطينيين داخلياً، من مخيمات ومدن الضفة الغربية، كما ثمنت القمة جهود التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين، وكافة ما سيعقد من مؤتمرات داعمة لإعمار غزة، بالإضافة إلى التأكيد على الدور الحيوي، الذي لا بديل عنه لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) للقيام بالمهام المنصوص عليها.
لم تتجاهل قرارات القمة، ومخرجات مؤتمرها، رعاية أيتام غزة ضحايا العدوان الإسرائيلي الغاشم، عبر إنشاء صندوق دولي، يعيد لهم أمل الحياة، ولم تترك جرائم الاحتلال دون مساعي للمحاسبة، من خلال محكمة العدل الدولية، وما تصدره من قرارات وأحكام، بل كان هناك إدانة لممارسات الاعتداء على الأراضي السورية، ومطالبة إسرائيل بالانسحاب الكامل من لبنان، إلى الحدود المعترف بها دولياً.
القمة العربية الطارئة في بيانها الختامي، وفي مناقشاتها الثرية، وفي تناول كافة القضايا، على الساحة العربية، يؤكد في مجمله على صدق النوايا ،والاتحاد من أجل اقتناص الحقوق، بكافة الطرائق المشروعة، وعبر تدويل القضايا؛ كي تأخذ الدعم الدولي، والمساندة من قبل الشعوب الحرة.. حفظ الله مصر وقيادتها أبد الدهر.