83% من المصريين سعداء.. المصريون أكثر شعوب العالم تدينا، حيث أجاب 100% من المصريين المشاركين فى الاستطلاع بـ"نعم" على السؤال الوحيد الذى طرحه وهو "هل يمثل الدين جزءا هاما فى حياتك اليومية؟"..
هذا هو المشهد الإحصائى المتضامن وبشدة مع المصريين, ربما بهدف التنكيت بدلا من التبكيت, وربما بهدف استراتيجى طويل المدى وهو أن نظل " نائمون فى العسل الأسود" ومستغرقون فى الاسترخاء, ظناً منّا أن كله تمام يا جدعان.
وربما هناك حالة "لبس" دائم تعانى منها الجهات الإحصائية المحلية وحتى العالمية عندما تتعامل إحصائياً مع المصريين, ولكن هل يمكن أن تكون عدوى النصب قد تسربت أيضاً إلى هذه الجهات, أم ماذا؟!
صحيح أن الدنيا فى مصر بخير, ولكن – لابد أن نقول بعد هذه الجملة "ولكن" – المصريين فى حقيقة الأمر ليسوا سعداء.
وصحيح أن الدنيا فى مصر بخير, ولكن – لابد أن نقول بعد هذه الجملة "ولكن" – جالوب لا يعرف أصلاً ولم يحدد معنى الدين, ولم يفرق فى استطلاعه بين الدين ولا التدين, ولا بين الدين والأخلاق, ولا يجرؤ الكثيرون على إجابة بغير "نعم" إذا ما سئل عن أن الدين أهم شئ فى حياته أم لا.
لا أراه سؤالاً يفضى إلى نتيجة خطيرة تقول أن المصريين أكثر شعوب العالم تديناً, فنتائج الاستطلاع لا تكشف حقيقة الوضع الأخلاقى فى المجتمع المصرى, فالحقيقة الموجعة هى أن المصرى لم يعد "هوّه المصرى" , فهناك هوّة واسعة أصبحت تفصل ما بين المصرى ومصريته, وتدينه, وأخلاقه.
لم يعد الأمر مجرد فئات منحرفة, وقلة مندسة, إلى آخر التوصيفات التى نطمئن أنفسنا بها على أنها هى فقط الحالة, والفرقة الضالة والباقى "زى الفل", لأنه ببساطة عندما يتسيد الفساد الأخلاقى, ويتجاوز ذلك إلى الدين فيجعله مجرد طقوس أو أردية, وشكليات, وكلمات بلا أى لون ولا طعم ولا رائحة جيدة, ولا ضمير, فلا تحاول أن تقنع الناس عندها بملايين الاستطلاعات كالتى قام بها جالوب المحترم, لأنه لا أحد فى الحقيقة ناج من "طرطشات" الفساد.
أشعر أحياناً, بل أشعر كثيراً أننا تجاوزنا ما حكى عنه الكواكبى من أخلاق تسود عندما يسود – مثلاً – الاستبداد الذى يقلب السير من الترقى إلى الانحطاط.
المصريون أكثر شعوب العالم تديناً وأنكر المنكرات بعد الكفر، الظلم, وهو موجود بيننا الآن وبكثرة.. كيف؟!
الاستبداد فى البيوت, والمدارس, والهيئات, وكل مكان.. من القمة حتى القاع, والذى يفسد على أية حال, يقتل فى الناس أنهم ولدوا أحراراً لكى يموتوا كراماً, وهذا هو أصل الدين, فأين تدين المصريين من ذلك كلهً؟!
ففى كتاب طبائع الاستبداد للكواكبى تقرأ :"أنَّ جرثومة دائنا هى خروج ديننا عن كونه دين الفطرة والحكمة، إلى صيغة أنَّا جعلناه دين الخيال والخبال، دين الخلل والتشويش، دين البِدَع والتشديد، دين الإجهاد. وقد دبَّ فينا هذا المرض منذ ألف عام، فتمكَّن فينا وأثَّر فى كلِّ شئوننا.
كلمات حقٍ، وصيحةٌ فى واد، إن ذهبت اليوم مع الريح، قد تذهب غداً بالأوتاد".
فيبدو لك وكأن كلمات الكواكبى قد ذهبت مع الريح كما قال, وقد جاء الدور – تفاؤلاً – على الأوتاد.
ربما إذاً يكون المصريون هم أكثر شعوب العالم تديناً لأن البعض يختزل الدين فى .. "الدنيا سجن المؤمن، المؤمن مصاب، إذا أحبَّ الله عبداً ابتلاه"، فنركن ونرتاح, ويرتاح معنا جالوب أيضاً, لم لا ونحن مصابون, ومديونون, ومتخلفون, ومتعاركون, وظالمون, ومظلومون, و.., .., إذا نحن متدينون!
فإذا ما كان الأمر هكذا فبالطبع.. "جالوب يرحب بكم"..
أما المصريون فهم بلا شك بحاجة لمن يصحح لهم دينهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة