هذه هى وباختصار وبالتأكيد مشاعر أيمن وجميلة، الزوجان وليس الإعلاميان، أو الناشطان، وكم هى رائعة أحاسيس الاشتياق بين الأزواج، وبعد نضال، وبعد صبر، وما بين التضييق والانفراج، وما بين الفرح الغامر والحزن القاتل، وما بين الخوف القريب وترقب الأمان الغائب، ما بين هذا وذاك وأولئك كم هى مشاعر الروعة فى الاشتياق، واشتياق الروعة.
فى منطقة وسطى بين تطرف المؤيدين وتطرف الخصوم، وفى يوليو 2007 استطعت الوقوف فى حوار صعب مع الإعلامية جميلة التى كانت تختار كلماتها بعناية وصراحة جرّت عليها الكثير من المشاكل والمتاعب.
التقيتها فى وقت لم تكن تعرف فيه الابتسام، نسيته، نسيها، لا فرق .. وإزاء ملامح وجهها المهمومة والشاردة، وهى القادمة لتوها حينها من زيارته بسجنه بعد مرور عامين، حاولت التسلل إليها بسؤال ناعم عن بداية اللقاء الأول مع أيمن، كنت أعرف أنها التقته فى أول حوار صحفى أجرته فى بدايات حياتها المهنية، ولكننى أحببت أن أسمع منها دلائل هذه المساندة، اعتراف صريح بأنها وجدته توأمها فتزوجته .. قالت: ذهبت لإجراء حوار معه، والتقينا، وشعرنا مباشرة بالالتقاء الفكرى والعقلى والوجدانى، وتزوجنا وعمرى لا يتعدى الواحد والعشرين عاما، وعمره 22.
سألتها: البعض يقول عنك: إنك زوجة تدافع عن زوجها برا وجوا وبحرا، فما رأيك؟
فردت: هذا حقيقى، وأنا أفعل ذلك بمحض إرادتى؛ لأننى مؤمنة بإمكانات زوجى وأخلاقه، فـ"أيمن" إنسان مجتهد ومثابر وصاحب مبدأ، بداخله حب لكل من حوله، محب للخير، ومتسامح مع الجميع، وما يجمع بينى وبينه يستحق وأكثر!!
وأحمد الله أننى عشت فى طفولتى وشبابى ما ساعدنى على الصمود والتحمل؛ فقد كنت فى فريق الكشافة والمرشدات، وأحببت الحياة الخلوية وظروفها القاسية الصعبة والأكل البدائى منذ الطفولة وحتى الجامعة؛ حيث كنت قائدة جوالة، ومثلت مصر بالخارج، وحصلت على أحسن قائد جوالة من أمير ويلز.
وتعلمت من هذه المرحلة أن الإنسان عليه دائما أن يبقى على شريط القطار الذى سيؤدى فى النهاية للنجاح، وأن يكون دائما فى سباق مع الزمن لتحقيق أكثر الإنجازات فى أقل مدة ممكنة، وقد عانيت فى بداية حياتى الجامعية من الوحدة؛ حيث أهلنى تفوقى الدراسى للالتحاق بالجامعة وعمرى 15 سنة، وبذا كنت أصغر طالبة جامعية، ولكن بعد فترة استطعت الاندماج فى هذا الجو الجديد، وساعدنى على هذا تعلقى وحبى لدراسة الإعلام. كما تعلمت من والدتى كيف تستطيع المرأة أن تصبح أما وسيدة عاملة موفقة فى كل أدوارها، ولا أنسى نصيحتها لى عند بدء خروجى للحياة العملية التى تقول فيها: "تحت أى ظرف من الظروف، الإنسان ليس بحاجة للنفاق".
ولا تنسى أننى عملت فى مهنة البحث عن المتاعب - الكلام ما زال لجميلة - وهو ما أصقل شخصيتى كثيرا، وعندما كان أيمن نائبا بمجلس الشعب كانت تلك فرصتى فى النزول إلى مصر الحقيقية فى الأحياء الشعبية؛ باب الشعرية، والموسكى، والجمالية، والدرب الأحمر، والاحتكاك بناسها الطيبين.
ومنهم تعلمت القناعة والرضا، وأن الإنسان يستطيع أن يعيش سعيدا فى أضيق الظروف، والتقيت عن قرب المرأة فى الأحياء الشعبية، فوجدتها "الست المصرية بجد"، فهى أنثى ولكن قوية وصلبة، وصبورة، لها رأى، وتستطيع اتخاذ القرارات الفعالة، وتشارك فى العمل السياسى، وأحيانا تكون فعالة أكثر من الرجل.
تحدثنا كثيرا فى حوار راق، لامست دموعها الكلام كثيراً عندما تحدثت عن "أيمن" وحيد والديه، وقد قتلتهم الأحداث كمدا وحزنا، حدثتنى عن والد أيمن المحامى عبد العزيز نور عندما أبكته كلمات القتها شاعرة فى ندوة أقامتها نقابة الصحفيين تضامنا مع د.أيمن كانت تقول فيها:
عصفور بيحلم بالضيا والحلم نور
مسجون بتهمة ملفقة والاسم نور
بعدها دخل الإنعاش، ومن هناك إلى قبره فى العام 2006، أما والدة أيمن فقد توفيت قبل ذلك بعام بعد اعتقاله مباشرة!!
تحدثت عن ترشحها لانتخابات الشورى، واقعة التحرش، ملاحقتها وهى تقود سيارتها، والكاميرا التى كانت تحملها معها دوماً لكى تنزل وتلتقط بها صورة لمن يلاحقها فى الطريق العام، التهديدات التليفونية التى كانت تصلها فى منزلها من مجهولين يقولون لها: نحن نراك الآن!
تحدثت عن تعثرها المالى وعدم القدرة على طباعة العدد الأسبوعى من الجريدة رغم الاتهام بالعمالة، تحدثت عن الدنيا التى أدارت لها ظهرها فجأة، تحدثت عن التداعى الدراماتيكى فى حياتها كلها.
وسألتها أخيرا.. مم تخاف جميلة إسماعيل؟
-أخاف الله، وأخاف الغد!!
والآن، انتهت المحنة "ولو شكلياً"، وما زالت رحلتك طويلة، ولكن عاد إليك نور "الزوج"، و"الإعلامى"، " والسياسى" .. عادت الحياة الجميلة يا جميلة.