ما أشبه الليلة بالبارحة، تكاد تتطابق الوجوه وتتشابه الأفعال، والمتغير الوحيد هو أن السلطة فى مصر رأت أن الريان والسعد والشريف كانوا يشكلون خطراً سياسياً عليها، خصوصاً إذا اجتمع المال والدين ودخلا معا إلى عالم السياسة .. أما البوشى فربما رأت فيه السلطة ورقة رابحة لتخدير الناس خصوصاً النخب وإقناعهم بأن هناك فرصة متساوية أمام الجميع لكى يتمتع بالمال والسلطة معا.
القصة اليوم تبدو مختلفة قليلا من حيث الطريق، فقديما كانت الطريق هى شركات استثمار الأموال التى نجح أصحابها فى إقناع المودعين بأنهم مستثمرون حقيقيون فى مجالات الزراعة والصناعة والتجارة، بينما البوشى لم يقل للمودعين "الذين أصبح اسمهم مستثمرين" أنه يتاجر أو يصنع أو يزرع ولكنه يضارب فى البورصة المقننة بقانون، والمحمية بشبكة علاقات عامة تصل إلى أعلى مستوى سياسى يمكنك تخيله؟
فمثلاً حين تقرأ فى صحيفة عريقة أو مجلة مرتبط اسمها باسم "الأهرام"، أن نبيل البوشى تم تعيينه مستشاراً اقتصادياً للرئيس يعنى "راسه براس أسامة الباز"، ما الشعور الذى ينتابك حينئذ؟ بالتأكيد ستراهن على هذا الجواد الرابح.
إنها طريقة بسيطة للوصول إلى جيوب كبار المودعين (المستثمرين) الباحثين بدورهم عن الحسنيين، العائد المالى والقرب من السلطة.
كبار المودعين، وعلى رأسهم شخصيات عامة، مثلهم مثل البوشى لم يكونوا يبحثون عن عائد مالى وفق معدلات السوق المالى والاقتصادى، بل يبحثون عن عائد يفوق الخيال مغموساً ببعض بريق السلطة حين يقترن اسمهم باسم "من يدعى زوراً" أنه مستشار الرئيس.
الصحافة هى الأخرى متورطة وبصورة واضحة لا لبس فيها، فالصحافة القومية لم تعد معنية بالعمل الصحفى وفق المعايير المتعارف عليها من حرفية تقتضى تقصى الحقيقة والبحث عن القصة بكل جوانبها، والسبب هو أن وراء هذه الصحف مستفيدين، إما من مال البوشى بطريقة مباشرة على شكل إعلانات يعود جزء منها إلى جيوبهم، أو بطريقة غير مباشرة على شكل هدايا وما أدراك ما الهدايا، وهناك ألف طريقة للتهادى على الطريقة البوشية تحول دون أن يتهم أحد بأنه يقدم رشوة.
وليست الصحافة المستقلة ببعيد عن الشكوك والاتهامات، فيمكننا مراجعة الإعلانات والتحقيقات مدفوعة الأجر، وحجم الأخبار التى تنشرها تلك الصحف لنكتشف أن القصة تبدأ من الإعلام وتنتهى إليه .. ثم يقوم الجميع بغسل يديه من الموضوع معتبراً أن البوشى نصب "وحده" وألقى القبض عليه "وحده" وسيلقى مصيره "وحده".
البوشى هو إفراز حالة عامة نشارك كلنا فيها، فالمواطن لا يفكر إلا فى عائد مجزٍ يزيد به رصيده ليصل إلى المليون، والبوشى يرى أن عقله "الذكى" يمكنه توظيفه للوصول إلى السلطة والثروة، ووسائل الإعلام باتت ملكاً لرؤساء التحرير أكثر من ملكيتها للشعب، وبالتالى يبحث هؤلاء عن الثروة أيضاً؟
والكل يطرح نفس السؤال، لماذا أبقى وحيداً فقيراً إذا كان بإمكانى أن أصبح ثرياً؟ لكن لا أحد يريد أن يفكر فى الوسيلة هل هى مشروعة أم مشبوهة.
أذكر أن سكيراً كان يعانى من مرض بالكبد، فنصحه الطبيب بالابتعاد عن شرب الخمر، وذات يوم سأله صديقه المسطول ماذا فعلت فى موضوع الكبد هل أقلعت عن الخمر، فأجابه ببساطة لا بل أقلعت عن الذهاب إلى الطبيب .. أليست هذه هى حالنا.
بعد ما يزيد عن عقدين من الزمان على أحداث الريان والسعد، ها نحن نعود من جديد إلى نبيل البوشى ورفاقه، لماذا لا نتعلم من أخطائنا؟ الإجابة هى أننا أدمنا الخمر (أقصد النصب).
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة