الجدل بين الشعر وغيره من أنواع الأدب والدين لا يتوقف، فدائماً ما نسمع عن مفتى من هنا يحرم الشعر وآخر من هناك يقيم قضايا على الأدباء، وآخر يرى الفنون بشكل عام رذيلة يجب منعها، وآخر ما ظهر من هذه المعركة هى الفتوى التى أطلقها مفتى عام السعودية الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ بتحريم المسابقات الشعرية، وقال إنها من تقاليد الجاهلية ويجب عدم دخولها للبلاد العربية، ووصفها بأنها تؤصل الأحقاد فى النفوس، وذلك بعد انتشار هذا النوع من المسابقات.
الفتوى أثارت غضب العديد من الشعراء، حيث قال الشاعر سيد حجاب "لا أتصور أن يكون مصدر الإسلام هؤلاء المفتين الجهلة البعيدين عن روح الإسلام السمحة الحقيقية، وأعتبر أن ظهور مثل هذه الفتاوى فى الفترة الأخيرة أصبح أمراً محزناً، متسائلاً كيف يجرؤ إنسان على إصدار فتوى لا مصدر لها من القرآن والسنة النبوية، حجاب أكد أن هذه الفتوى هى دفاع عن الجهل والاستبداد الذى نعيشه فى الدول العربية وتساعد على انتشاره الأنظمة المعادية للحداثة والحرية".
انطلق بسخرية من محمد الصاوى مدير ساقية عبد المنعم الصاوى الثقافية بسؤاله قائلاً "هما أيام الجاهلية لو كانوا بيستحموا، يبقى الاستحمام تقليداً جاهلياً؟ وكيف يكون التطور والحث على الإبداع والمنافسة تقليداً جاهلياً، فهذه المسابقات الشعرية شىء محترم، فنحن علينا أن نزيد من المسابقات التى تؤدى للتنافس والإبداع فى كافة المجالات، الصاوى أكد أن مثل هذه الفتاوى هى ما ترسخ لدى الغرب أن الإسلام رجعى وغير مواكب للعصر.
الفتوى أيضا أثارت غضب العديد من علماء الدين واعتبروها بعيده عن روح الإسلام الحقيقة ولا سند لها، حيث أكد الدكتور منيع عبد الحليم أستاذ أصول الدين بجامعة الأزهر أن الكلام الذى خرج عن لسان مفتى السعودية لا يتعدى الرأى الشخصى ولا يرقى لأن يكون فتوى، وهذه هى مشكلتنا فى العالم الإسلامى الذى لا يفرق بين الفتوى العامة والرأى الشخصى، ويتم الخلط من قبل بعض العلماء ويجعلون من أرائهم الشخصية فتوى عامة عادة ما تكون خاطئة.
مؤكدا أنه لا يمكن إدانة الشعراء ولا المسابقات الشعرية باسم الدين، فالشعر والأدب وغيرهما من الفنون ليست حراماً، ولا خروجاً عن الدين، بل إن هناك الكثير من علماء المسلمين، وعلى رأسهم الإمام الشافعى كانوا يكتبون الشعر ويهتمون بالشعراء، وحتى عصرنا الحالى هناك العديد منهم يشجعون على الشعر، وفى النهاية أكد منيع أن هذه الفتوى مرفوضة.
المفتى السعودى لا يمتلك حجة قوية ينطلق منها، هذا ما أكده المفكر الإسلامى مصطفى الشكعة، مؤكداً أن المسابقات الشعرية ليست حراماً، والشعر مطلوب فى مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وقال إن الرسول كان حريصاً على الاستماع للشعراء والاهتمام بهم، وكان لديه شاعره الخاص "حسان بن ثابت" وكان شديد الحرص على إعطائه الهدايا تقديراً لكلماته وأبياته الشعرية.
وهو ما أكده الدكتور صلاح العادلى أستاذ أصول الدين بجامعة الأزهر قائلاً إن الإسلام أجاز الاستماع إلى الشعر وكتابته، فالشعر يرقى المشاعر ويهذب النفس بكلماته الحميدة ويحث على الرقى والتقدم، والتنافس فيه عن طريق هذه المسابقات ليس حراماً طالما أنه تنافس يسعى للإبداع والجمال.
أما الدكتور محمد الدسوقى أستاذ الفقه بكلية دار العلوم فيقول إن هذه المسابقات يراد بها تشجيع أهل الأدب على التجديد والإبداع والفكر وهو ما حثنا عليه الدين الإسلامى، كما أن الشعر تحديداً له حكمة وهى تذوق جمال اللغة العربية المكتوب بها القرآن الكريم، وعن الفتوى قال الدسوقى إنه لا يوجد فى القرآن الكريم نص يحرم الشعر، كما أن ما ورد عن النبى أنه شجعه واستمع إليه فكيف نحرمه نحن، فالشعر مشروع فى الدين بل ومطلوب ويجب الحرص على تجديده والاهتمام به.