"الليلة عيد .. ع المعادى سعيد " هذه هى مشاعر أهالى المعادى أكثر أحياء القاهرة – سابقا - وحلوان حالياً، تضرراً فى يوليو 2007 بعد أن زفت إليهم أخبار القبض على سفاح المعادى مؤخراً، وأخيراً.. البعض الآخر لسان حاله يقول : يااااه صباح الخير بالليل, لسه فاااكر؟!
القصص المروعة والحكايات وقتها - والشائعات أيضاً - كانت بلا حصر فى الكافيهات, ونادى المعادى والجراند مول، وشارع 9 وشارع10 وشارع 104 وشارع 150 ، وعلى المقاهى وفى المدارس والبيوت والمحلات، وعلى الرغم من أن بعض الخبثاء كانوا يتندرون على كون أسماء الشوارع بهذا الحى عبارة عن أرقام لكى يتلخبط الناس فيها ويصابون بالتوهان، إلا أن السفاح لم يصبه وقتها أبداً التوهان، فقد ظل لأشهر حراً طليقاً، يضرب ويجرى فى كل الأماكن وكل الشوارع، ويطلع فوق السطوح، وينزل على السلالم، ويركب الموتوسيكل، باختصار كان "واخد المعادى فسحة".. رايح جاى.
80 دورية أمنية مزدوجة برئاسة 36 ضابط بحث جنائى، 1500 ضابط وعسكرى ميّزت طلتهم شوارع الحى الهادئ حينها، مخبرون أذكياء جدا كان لا همّ لهم سوى دخول الكافيهات ومطالعة بطاقات الرقم القومى للشباب "ولاد الناس الغلابة" وهم يلعبون الجيمز فى إجازة نصف السنة، وعلى الرغم من ذلك كله تم إغلاق الملف، والإعلان عن الفشل فى الوصول إلى الجانى على الرغم من الوعود بأنه ما هى إلا ساعات ويتم القبض عليه!
"سفّاح البنات " هذا كان أكثر أفلام الأكشن مشاهدة فى المعادى، وربما فى مصر كلها تلك الأيام، قصة بطلها "شاب"، وبطلاتها أو ضحيتها بناتنا ونساءنا وزهراتنا من الأطفال أيضا، فقد كانت كل الفئات العمرية من نون النسوة هدفاً مرصوداً بالنسبة إليه .
ولأن المعادى "كانت" حياً راقياً قديماً تحفه الأشجار، ويلفه الهدوء فقد انقسم الناس إلى فئات متعددة بصدد تحديد شخصية السّفاح وأصله وفصله وقتها.. فى المعادى القديمة "الناس اللى فوق" بيقولوا سفّاح "بيئة" جاى من أدغال العشوائيات فى مناطق صقر قريش وشارع أحمد زكى والبساتين.. ياي.. إنسان حقود .. معقد.. سوفاج طبعا!
ناس تانية تقول وفقاً لتحليلات سياسية :" ده مستقصد البنات اللى بيلبسوا بدى وبنطلونات ضيقة ولو ويست بتبين البطن والظهر، وده أكيد من الإخوان المسلمين علشان يجبر البنات ع الحجاب، أو يشغل الرأى العام عن تنظيم سرى ناشئ"! هذه كانت دراما المعادى القائمة حينها مع السفاح الزئبقى، الذى لم يستطع أن يمسك به أحد .
طرأ على ذهنى وقتها لو يطالع مؤلف موهوب حركات الناس وسكناتهم بالمعادى، البنات المرعوبات، الأمهات، الرجال الذين يصطحبون كريماتهن من كل الأعمار خوفاً عليهن، والأزواج الذين ينتظرون زوجاتهم لدى الكوافير، والطبيب،و إلخ .. باختصار ممنوع " تمشى أو تخرجى لوحدك". وكما كتب من قبل إحسان عبد القدوس روايته "غريب فى بيتى".. والتى تحولت إلى فيلم, فمن الممكن أن يكتب الآن رواية بعنوان "سفّاح فى بيتى".. تتحول إلى فيلم أيضاً، وهكذا لكل عصر انحداره.. أقصد عنوانه!
وسواء اتضح بالفعل أن الذى تم القبض عليه هو سفاح شبرا أم المعادى، وسواء ثبت أنه كان مقلداً لإحدى الشخصيات الدموية التى يراها شبابنا فى أفلام الرعب الأمريكية، أم أن ما فعله صناعة محلية نتيجة العقد النفسية والفقر والجهل والتشرد، مهما يكن من أمر، هناك توصية متواضعة لمؤلفنا الهمام الذى سيتولى الكتابة، وهى أن يقوم بسرد البدايات لأبرز وأهم سفاحى العصر، "فلاش باك".. بداية من السفاحين العالميين, شامير وبوش.. مرورا بأولمرت وشارون، ونتنياهو وليفنى .. وصولا إلى السفاحين المحليين من أمثال سفاحى العباّرات والقطارات والمستشفيات والجامعات والشوارع, والبيوت، فأقل واجب هو ألا ننسى الجذور دائماً، ونتجه فقط إلى الورثة.. فكلاهما يعتدى على الأنفس والأموال، وكلاهما يمّكن الخوف والقلق والموت من السكن فى ديارنا .. بالتمليك!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة