لم يسأل أحد نفسه وسط كل هذا الخراب الضارب فى جنبات الأرض، كيف يصير كل إنسان إنسانا حقا؟ وكيف يحافظ على إنسانية الآخرين؟
فى مجال الشرطة هناك فاسدون تهبط أفعالهم على رؤوس المظلومين فيظن البعض منهم أن قوة الله قد أبطل مفعولها، وكذلك فى عالم الموظفين فاسدون يدفع بعضهم بعضا، حتى إذا أخرج الشريف يده لم يكد يراها، فصارت المصالح لا تقضى إلا عبر شباك الفساد أو بوابة الرشوة فى كل مجال فاسدون لا يمارسون سلطان الفساد إلا على الضعفاء، أما الأقوياء فمن أجلهم يحيا الفاسدون.
لم نجد أحدا فسد من أجل أن يمنح الضعيف حقه أو لنصرة المغلوب على أمره!! وحتى عندما يتحدث البعض عن حقوق الضعفاء، يكون هذا حديث إصلاح، أما من يتحدث لأجل الأقوياء والأغنياء، فهذا حديث طبقى فى الفساد الذى ساد.
الفاسدون بضاعة لا تروج إلا فى غياب العدل وتهاوى منظومة القيم.. وما أحوج الأمة الآن بأسرها إلى ميزان العدل الذى يقيم العلاقة بين الناس على أنهم سواسية.. لا فضل لمسلم على كافر إلا بالعمل الصالح، ولا فضل لعربى على مصرى، ولا لأجنبى على عربى، إلا بالعمل الصالح الدنيوى والدينى، فالله أتى بالأديان لإصلاح الدنيا وكل ما يصلح الدنيا هو من الدين
ما أحوج الإنسانية ومجتمعنا إلى العدل الذى اختل ميزانه، حتى يكاد المظلوم أن يصرخ أنه لم يهبط على تلك الأرض ميزان للعدالة.
ما أحوج كل إنسان منا أن يعود إلى إنسانيته.. ولكن يبقى السؤال، كيف الطريق إلى الإنسانية! وكل ما فى الطريق من عقبات وصعوبات تحول بيننا وبين الوصول!؟
ربما يكون التصور أن الوضع الاقتصادى الراهن، يشبه واقع المجاعة، وأنه على الجميع أن يهرول فى كل اتجاه كى يحصل على فرصة للبقاء على قيد الحياة، ولا يبالى أحد بمن هبط تحت القدمين. ربما تكون البداية فى تحسين أوضاع الناس اقتصاديا، ثم التحدث بعد ذلك عن مكارم الأخلاق وفضائلها، فالبطون الجائعة لا تبحث عن الفضيلة
وحال كذلك يأسرنا سؤال، من يعيد للناس حقوقها المنهوبة؟؟
تبدو صورة المجتمع وكأنه فى حالة استسلام، وأنه لا أحد يصر على أخذ حقه مهما كانت النتائج.. وأن المجتمع المصرى لا يتحرك للأمام إلا تحت التهديد، أو بدافع ممن يقودونه، أو سيرا نحو الاستاد، أما إذا كان من يقوده يدفعه نحو الخروج للعراء أكثر، فهنا تظهر التصرفات الفردية العشوائية مقرونة بالعنف غالبا.
وإننا لنلحظ مظاهر الفردية وهى تبدو جلية فى المجتمع.. فلم نجد من يتعاطف مع مواطنين تزال منازلهم فى عزبة الهجانة، ودار السلام، وفلاحين يطردون من حقولهم.. وحتى الذين هبطت صخرة الدويقة على رؤوسهم منذ أكثر من عام مازال بعضهم بالعراء، وأمثالهم كثر، ولم يتعاطف معهم أحد بأى تحرك يعيد إليهم حقوقهم اللهم إلا بعض الأصوات الفردية.. أما سواد المجتمع فشعاره، شغلتنا أموالنا وأهلونا وحتى المسئولين لم يكونوا أفضل حالا من عامة المتجتمع، فلم نجد لدى محافظ يزعم أنه مسئول عنهم أدنى إحساس بالإنسانية بل كان الإصرار على تشريدهم وإلقائهم فى عرض الشارع زعما منه أنه ينفذ القانون!!
لم يعد أمام المواطن من سبيل سوى التحرك الفردى العشوائى الذى لا يشعر معه صاحب الحق أنه مؤيد من أى طرف وإنما يتولد لديه إحساس أن كل المجتمع متواطئ ضده متخاذل عن نصرته.. لذلك يترسب فى أعماقه كراهية للمجتمع، تظهر حينا فى الحوادث، وتبقى خامدة كى يتجرعها المغلوب على أمره طوال حياته، يتحول معها إلى شبه إنسان.
وإذا ما سأل كل واحد منا نفسه: كم مرة سكت عن ظلم إنسان أو شاركت أنا فى ذلك؟ كم مرة شاهدت إنسانا معذبا فى إنسانيته ولم أبال؟ كم من المرات بكى أناس بسببى أو بسبب أناس أعرفهم ولم أفعل شيئا؟ كم ليلة قضاها المظلوم يدعو على ظالمه؟ وقد أكون أنا واحدا من الظالمين!
حقا ما أصعب أن تكون إنسانا!!
فعندما تقسو علينا الدنيا نقسو على من هم أضعف منا.. فكيف يرفع عنا بلاء نضعه بالتالى على من يلينا.. وكأننا نحتاج من السماء أن يهبط الله من عليائه كى يمحو عنا خطايانا وأخطاءنا!
إعلامى مصرى