لا أحب التدخل فى حياة وخصوصية أحد، وأحترم مساحة الاستقلالية عند كل من أعرفهم فما بالكم ببناتى.
أؤكد لكم بمنتهى الصدق أن متعتى بمتابعة ممارستهن للحرية فى الرأى وفى السلوك تفوق بمراحل متعة بعض المرضى من الآباء والأمهات بممارسة القهر والتلقين والإكراه والوعظ والإرشاد على أبنائهم وبناتهم.
والقراء بالطبع يعلمون أن قضايا الدين والحلال والحرام صارت مطروحة فى البيوت وفى المدارس والجامعات وعلى قارعة الطريق، وكثيرا ما كانت ابنتى إكرام تنقل لى بعض الحوارات والمناظرات التى كانت تدور بينها وبين (الميس) أى المُدرسة والتى بدأت إحداها باستفسار يبدو بريئا لكنه استفسار مريب وخطير فى الوقت نفسه: أنت مسيحية يا إكرام؟ اندهشت ابنتى وأصابها بعض الذهول وهى غير مصدقة، قالت: إنتى بتسألى بجد يا ميس؟ وحينما بدا على المُدرسة الإيجاب، انبرت إكرام تستكمل أسباب الذهول وهى تفرد ذراعها وتخرج السلسلة من رقبتها قائلة بانفعال: هل رأيتى صليبا فى يدى أو فى صدرى. هل اكتشفتى أثناء تصحيح الكراسات صور ملصقة للعذراء ويسوع والقديسين أو الرهبان. هل استمعتى لى وأنا أقسم بالمسيح الحى مثلا أو أشير باسم الأب والابن والروح القدس على رأسى وكتفى وصدرى.. هل.. هل.. وحتى لو كنت مسيحية ما المشكلة، وما علاقة كل ذلك بدرس (الماس)؟!
وظلت إكرام تسأل بغيظ وانفعال بينما الميس تمط شفتيها احتجاجا ثم ألقت تفسيرها العبقرى بطريقة زاعقة وقاطعة ومهينة: لما أنتى مسلمة لماذا لا ترتدين الحجاب يا سافرة؟ عند هذا الحد انخرطت إكرام فى وصلة بكاء طويلة، وانخرطت الميس فى خطبة منبرية أطول، وضاع درس (الماس).
المهم أن هذه الحرب المقدسة من أجل الحجاب تواصلت مع ابنتى إكرام وسارة منذ المرحلة الابتدائية حتى الثانوية، والحرب لم تقتصر على المدارس فقط لأنها مستمرة فى كل شبر من مصر، وتطل علينا من فوق شاشة التليفزيون، كما حدث فى حلقة هذا الأسبوع من برنامج (الحقيقة) للزميل وائل الإبراشى الذى استضاف الكاتبة اللامعة فريدة الشوباشى مع أستاذتين جامعيتين منتقبتين لمناقشة قضية النقاب، بعد أن نجحت حرب الحجاب وحققت انتصارا ساحقا على السفور بنسبة تزيد على 90%، ثم جاءت معركة النقاب لتفرض نفسها على المجتمع المصرى كقضية من قضايا الصراع الكبرى بعد أن تصالحنا مع العدو الإسرائيلى ومع الفساد والاستبداد والعجز والخيبة الثقيلة وصرنا أصدقاء لكل أعداء مصر والعروبة والإسلام.
المهم أننى كنت أتابع برنامج الحقيقة حينما فاجأتنى إكرام بفتح (النت) لاكتشف أنها وضعت لنفسها صورة بالحجاب على الفيس بوك الخاص بها، فإذا بشلال من الرسائل والردود النسبة الأكبر فيها للتهنئة على الحجاب والإشادة بجمالها الذى فاق الحد والصفات التى اكتسبتها بعد ارتدائها له.
وبالمناسبة هذه الصورة لم تقصد بها ابنتى الاستفزاز أو العند فهى صورتها الحقيقية حينما تتأهب لصلاة الفروض اليومية.
عفوا سأضطر لقطع مقالى الآن بعد سماعى صوت ميكرفون فى الشارع لسيدة تبكى وتنتحب وهى تنادى بالتبرع لابنها الطفل المصاب بسرطان الدم، نظرت من البلكونة رأيت سيدة ثلاثينية ترتدى السواد تركب عربة نصف نقل وتمسك ميكروفون: تبرعوا لعلاج ابنى من سرطان الدم. قلت لا حول ولا قوة إلا بالله، لو كانت صادقة فمعناها أن الدولة ماتت والناس أيضا، ولو كانت غير ذلك فنفس المعنى، وعليه العوض.