القتل فى طوابير الغاز هو أحد أشكال الموت فى مصر، بعد القتل فى طوابير الخبز، وطوابير جراكن المياه، وربما قريبًا القتل فى طوابير الضريبة العقارية؛ المهم أن شعب مصر المحروسة مكتوب عليه أن يموت فى كل الحالات، يموت فى المعدية.. فى العبارة.. فى السيارة، تحت الصخرة، يموت مرضًا وجوعًا؛ فالموت يطارده فى حله وترحاله، ونحن الشعب الوحيد فى العالم الذى يربط بين المتعة والموت، لأننا نموت فى الملوخية، ونموت فى البامية، ويقول المحب لحبيبته: (أحبك موت أو أموت فيكى)، ويقول محب السمك: أنا قتيل البورى السنجارى، ونقول متنا من كثرة الضحك.
اسمحوا لى بالعودة مرة أخرى للقتيل الثانى خلال أسبوع واحد فى طوابير الغاز، والرقم -بالطبع- قابل للزيادة، لأنه رقم محدود لا يليق بحجم ضحايا المصريين، ولذلك لم يلتفت أحد لمقتل اثنين فقط فى ماراثون الحصول على اسطوانة غاز، الوضع الآن فى مستوى المحافظ؛ لأن الأزمة فى المحافظات تزيد كل يوم بالقدر الذى يقلق الإدارات المحلية؛ فالسيد المحافظ ذات نفسه لا يجد أنبوبة غاز، ولذلك تحرك بعض موظفى المحليات فى الدقهلية لاقتناص أربع اسطوانات لاستراحة السيد المحافظ، لكن ومع زيادة عدد القتلى بالسكتة والجلطة أو بالمطاوى فى الطوابير، سيصل الأمر للمناقشة على المستوى الوزارى، وحينما تعم الكارثة، ويصل عدد الضحايا إلى مئات، وتبدأ الفضائيات فى إثارة الموضوع فى برامج التوك شو، سيبدأ السيد الرئيس فى التحرك، لأنه الوحيد فى مصر الذى يملك القرار، وربما أصدر أمرًا بتكليف جهاز الشرطة أو جهاز الخدمة العامة بالقوات المسلحة للقيام بالإشراف على عملية بيع وتوزيع أنابيب الغاز، وسوف نكتشف ساعتها أننا نملك وفرة كبيرة من اسطوانات الغاز الطبيعى، وأن المشكلة كانت فى الموزعين وأصحاب المستودعات اللذين يحجبون السلعة بإرادتهم، ليزيد سعرها أضعافا، وربما خرج مسئول كبير بوزن وزير التضامن الاجتماعى، ليؤكد أن كل شىء على ما يرام، وأن القضية هى فى ضعاف النفوس ومعدومى الضمائر؛ سيحدث كل ذلك بعد فوات الأوان، وبعد أن صار الشعب المسكين (فُرجة) أمام العالم، كل يوم قتلى فى الطوابير، واحتجاجات بطول مصر وعرضها للحصول على رغيف وجركن ماء واسطوانة غاز، وغدًا نجد طوابير وقتلى للحصول على (حتة جبنة براميلى).
وتبدو الحكومة فى كل الحالات متعالية، مشغولة بأعمالها الخاصة، بلا شعب بلا قرف، فنحن الضحايا ونحن الجناة، مشكلة الأنابيب أن البعض منا بلا ضمير، وكذلك الخبز والسكن والصحة والتعليم والنقل والزراعة والتضامن... الخ.
الحكومة بحمد الله بريئة؛ فغفير المزلقان هو سبب كارثة العياط، وتجار الدقيق سبب أزمة الخبز، وبعض المدرسين الجشعين سبب أزمة الدروس الخصوصية، وهكذا تتحول الحكومة إلى ضحية شعب جحود لئيم لا يعجبه العجب ولا الصيام فى رجب، صحيح أنه يموت كل يوم وأن المصائب تتساقط عليه كالمطر؛ إلا أن الحكومة تؤمن بالمثل القديم الذى يقول: قتيل إيديه ما تحزنوش عليه.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة