لقد أكد علماء الاجتماع، وعلى رأسهم فلويد هانتر فى كتابه الشهير "بناء القوة فى المجتمع" على من يقررون أمور الحكم هو قوى خلف الستار، وهى القوى التى تؤثر على الحاكم، وهى بطبيعة الحال قوى منتفعة مقاومة للتغيير. ولذلك تبدو الحاجة إلى إقامة مؤسسة تسمى مجلس الأمن القومى تكون هى بمثابة ما يطلق عليه حاليا "مؤسسة الرئاسة" أو مهيمنة عليها على الأقل. ومجلس الأمن القومى بنيان مؤسسى دائم له سكرتاريته المستقلة وخبراؤه الممثلون لمختلف المجالات المجتمعية الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والثقافية والسياسية والعلمية، والمختارون من خلاصة الثروة العقلية المصرية وخيرة علمائها وعامليها. وبالرغم من القوة العلمية لخبراء مجلس الأمن القومى، إلا أن مفاهيمه وسياساته المقترحة لابد وأن تكون مصاغة بلغة مفهومة للهيئات التنفيذية والسياسية التى سوف تقوم بدراستها وتنفيذها.
هذا وندعو السياسيين والمدنيين عموما أن ينظروا إلى مجلس الأمن القومى على أنه ليس جهازا أمنيا بالمعنى السائد حاليا، وإنما هو حماية وتطعيم للدولة ضد الحكم العشوائى وتمكين للرشد الحكمى من انطلاق مجاريه. إن المقصود من الأمن القومى ليس سيطرة للأجهزة العسكرية أو الأمنية على صناعة القرارات التنموية، وإنما الاستفادة منها فقط مع بقية مكونات الجسد المجتمعى الأخرى.
وانطلاقا مما سبق، يقع على مجلس الأمن القومى مهمة إعداد استراتيجية أمنية وطنية شاملة تنطوى على كل مما يلى:
1. المصالح والغايات والأهداف المرحلية الحيوية المحلية والعالمية ذات النفع الأعظم للانطلاق التنموى المصرى.
2. السياسة الخارجية والتزاماتها والقدرة الدفاعية الوطنية لردع العدوان الخارجى ولتحقيق الأهداف الأمنية الوطنية بالوسائل السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والعلمية والثقافية ومصادر القوة الوطنية الأخرى.
3. المقترحات التنفيذية لتطبيق أو تنفيذ استراتيجية الأمن القومى ودعم ذلك التنفيذ. ويمكن أن يقوم مجلس الأمن القومى وهو بصدد تحقيق هذه المهمة بكل مما يلى:
أ. إعلام وعرض الرؤية الاستراتيجية للأمن القومى على كل من الأجهزة التنفيذية والتشريعية (الحكومة ومجلسى الشعب والشورى)، ومن ثم تتحقق الشرعية والقبول، وذلك نظرا لأن كلاهما بصفتهما القوى الوطنية يحتاجان فهما مشتركا للبيئة الاستراتيجية والمقاصد الحكمية مما يوفر قاعدة صحيحة للحوار الوطنى.
ب. إعلام وعرض نفس الرؤية الاستراتيجية السابقة على الجماهير ونخبة المثقفين على السواء.
ج. الإعلام عن التوافق والوحدة فى سياسات الأمن القومى والحكومة، والتى تنال القبول الجماهيرى.
د. ملاحظة صياغة الاستراتيجية بحيث لا يشعر المطلع عليها بأنها تنحاز لفئة أيا كانت، بمعنى أن تكون استراتيجية مملوكة للجميع، لا تتحيز لأولويات مصلحية معينة وتتسم بالتوافق بين الاتجاهات المتنافسة.
ه. أن تساهم الرؤية شكلا وموضوعا فى الأجندة العامة لرئيس الدولة، بما يسمح للتفاعل والتبادل الفكرى وسد الثغرات الفكرية، وذلك كله من أجل التوصل إلى الصيغة النهائية لاستراتيجية الأمن القومى.
وهناك بعض الملاحظات المتعلقة بأداء وبناء مجلس الأمن القومي، والتى تنطلق من أساسيات الشفافية، منها أن يرأس مجلس الأمن القومى مستشار لرئيس الدولة بدرجة وزير. ويجب ألا يتبنى المجلس السياسة القائمة بالحكومة وإلا تفقد الحكمة من إنشائه منذ لحظة ولادته. ويكون للمجلس لجنة تخطيط خاصة به تعد المنشورات السياساتية للمجلس والأوراق المتعلقة بقضايا معينة والدلائل السياساتية المتعلقة بمختلف قضايا الأمن القومى للنظر والموافقة عليها من جانب مجلس الأمن القومى، هذا ويجب أن يجتمع المجلس بانتظام وكلما دعت الحاجة ويتبنى المناقشات الجادة الصريحة مبتعدا عن المنهج البيروقراطى التقليدى. كما يجب أن يناقش المجلس كل القضايا التى تعتبر ممنوعات مثل ميزانية القوات المسلحة ورئاسة الجمهورية وغير ذلك. ويعتبر مجلس الأمن القومى هو المحقق والراسم لخارطة الطريق التى يحتاجها كل مجتمع يسعى للتقدم والحداثة.
دكتور محمد نبيل جامع يكتب:الأيدى الخفية والأمن القومى
الأحد، 20 ديسمبر 2009 10:22 ص