هم أبناء عصرهم، وأفضل نتاج لواقع مجتمعهم، ومرآة صادقة لحزبهم الحاكم الجاثم على صدورهم، يجلسون فى مكاتبهم المكيفة، ويريدون أن يعارضوا من شبابيك أحزابهم، بعدما رضوا بما ضربه عليهم الحزب الحاكم من الذلة والمسكنة، فباءوا بغضب الشعب وانصرافه عنهم.
لا أحد من روساء تلك الأحزاب على السواء يذهب فى معارضته للحزب الحاكم مذهب الرجال السياسيين.. سواء كرجال الماضى، الذين كانوا يراجعون الملك، أو من يتصدون لقرارته لإبطالها.. أو حتى يتشبهون برجال المعارضة فى المجتمعات الغربية التى يدمنون الحديث عنها ليل نهار.. فلا رغبة حقيقة فى المعارضة الشرسة.. رغم أن البلد يبحث عن مخلص.
أما تداول المناصب داخل أحزاب المعارضة، فهو كتداول المدمنين للمخدرات فيما بينهم، لا أحد يستطيع الابتعاد عن منصبه الحزبى ولو ليلة واحدة، فكيف ينتظر من وجوه لا تتغير أن ينبت فى تربتهم تغيير!؟
أما إذا هبت رياح للتغيير من جهة ما، فهم فى مقدمة الصفوف لإجهادها، ولنا فى كفاية وترشيح البرادعى ومن قبله أيمن نور وموقفهم من محاكمات الإخوان خير برهان.
ولا ندرى لماذا كلما حاول الوطن أن يبحث عن مخلص وتلفت يمنة أو يسرة أو لاح فى الأفق شخص يمكنه أن يتقدم الصفوف، يأتينا من يهيل التراب على تلك المحاولة، زعماً أنها لم تخرج من رحم أى حزب.. وكأن الأحزاب تخرج من رحمها شيئاً يمكن البناء عليه سوى العقم!
ورغم ظن البعض فى قادة الأحزاب خيراَ، إلا أن قليلاً منهم من يصدق ظننا به، ويصدق فى معارضته، ولو أدى به الأمر إلى غياهب السجن.
ورغم أن الكثير منهم ممن ولدوا فى رحم عهد الثورة أو السادات سياسياً، ورمى به فى مزبلة العهد الحالى، فلم يشمر أحد منهم ساعديه ليخرج نفسه قبل غيره من هذا العفن السياسى.
مواقف الأحزاب تلك، تنتج مسافة ممتدة بينها وبين المواطن المصرى بما فى ذلك الحزب الحاكم، الذى يكرس الفواصل بين المواطنين وحكامهم، الذين طال عليهم الأمد، فقست قلوبهم، حتى صار الطرفان لا يلتقيان فى قضية أو حوار، ومن هنا تغيب التربية السياسية طالما غابت الحقول التى تنتجها وهى الأحزاب ومن غياب التربية السياسية، يغيب الوعى السياسى، وينشأ الجهل بالحقوق وبأهمية إنتاج قادة، يدفعون الوطن للأمام، ولا يتخندقون حول كراسيهم، ويدورون فى فلكها.
والحال كذلك، يكون إنتاج النساء من البشر أشباه مواطنين، يحملون من الجهل بالحقوق أكثر مما يعرفونه من أسماء الأفلام والمسلسلات، الذين لا يعرفون حقوقهم، يلجأون إلى النفاق لكى يمروا من بوابته إلى ما يريدون.. يستوى فى ذلك الفقير المعدم والوزير المنسحقة شخصيته، فتراه يرجع كل شىء إلى حكمة الرئيس وتعليمات وتوجيهات سيادته وقناعته إن اقتنع.
وبدلا من معرفة كل ذى حق بحقه، يغطى الجميع عار جهله بالنفاق.. فكل ينافق بما تيسر له، وليس لدينا فى الحقيقة تربية تحفظ للإنسان إنسانيته، وتجعل منه مواطناً سوياً، سواء بالبيت أو المدارس أو مؤسسات المجتمع وأحزابه.. وعندما تجد وزيراً ينافق ويرجع كل الأمور لحكمة من عينه، تأكد أنك أمام شخص ممسوخ الشخصية مهما انتفخ أو أحاط نفسه بعشرات من الحراس أو انتصبت له المواكب وأفسح له فى الطريق.
مثل هذا المناخ، لا ينتج إلا أشخاصاً ضررهم أكثر من نفعهم، وتتوارى ثقافة قبول الآخر، وكل شخص يعتقد أنه على صواب لا يحتمل الخطأ، وغيره على خطأ لا يحتمل الصواب، يستوى فى ذلك أتباع الأديان مع أتباع الأحزاب ومشجعى الأندية.. وإنك إذ تحدثت إلى أحد السياسيين عن مفهومه للديمقراطية وتداول السلطة، فهو يؤمن بها طالما أبقته فى منصبه كيفما كان.. معارضاً أو مؤيداً..
أما إذا كانت ستقتلعه من موقعه فلا يمانع فى الجهر بالكفر بها زاعماً أن المجتمع لم ينضج بعد على نار هادئة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة