يتذكر السوريون والمصريون على حد سواء الموقف الدافىء والإنسانى، الذى جمع الرئيسين المصرى محمد حسنى مبارك والسورى بشار الأسد فى مطار دمشق حين نقلت عدسات التصوير قول الرئيس مبارك، وهو يدخل معانقاً الرئيس بشار: "أنا قلت أعدى عليكم أطمئن".
حدث ذلك منذ سنوات قريبة، وكانت فى أعقاب جولة متعددة للرئيس مبارك لأكثر من بلد، وكانت تلك العبارة، على عفويتها الرائعة، نموذجاً دالاً على دفء العلاقة بين البلدين والرئيسين، ونموذجاً أكثر دلالة على حرص مصر قيادة وشعباً على سوريا، وجاءت تعبيراً لدور مصرى مساند لسوريا فى المحافل الدولية، وليس خافياً على أحد الدور الرائع للرئيس مبارك فى تهدئة الأجواء بين سوريا وتركيا، وهى التهدئة التى أسست فيما بعد لعلاقات أكثر دفئاً بين دمشق وأنقرة.
الخلفيات السابقة، التى تأتى من أحداث التاريخ القريبة، لم تكن إلا استكمالاً لمسارات مصرية سورية أخرى طويلة يحفظها التاريخ، تتفق فى قضايا وتختلف فى أخرى، لكنها ظلت دائماً بوصلة رئيسية لتوجهات العمل العربى، وفى هذا السياق تكتسب عبارة: "لا حرب بدون مصر، ولا سلام بدون سوريا" مصداقية كبيرة، يعرفها تماماً المصريون والسوريون، وتطبيقاً لذلك ظل التقارب المصرى السورى حصن أمان لمقتضيات الأمن القومى العربى، كما أنه وضع حداً للترهلات العربية على الأقل فى حدها الأدنى، كما رأينا فى ظل هذا التقارب صورة مغايرة للوضع العربى، الذى نراه الآن.
ولكى لا نقفز على طبيعة الأحداث الإقليمية فى المنطقة، نسلم بأن الخلافات بين البلدين بلغت ذروتها فى الحرب الأخيرة على غزة، والتى مر عليها عام تواصل فيه برود العلاقات، لكن وبالقياس على محطات سابقة فى الخلافات بين البلدين، نقول إن الأمر استمر أكثر مما ينبغى، خاصة فى ظل اختيار سوريا السلام نهجاًً، لكن وفقاً لقواعد القانون الدولى السليم الذى يضمن لها عودة الجولان المحتلة منذ حرب يونيه "حزيران" عام 1967، وهى القواعد التى تؤيدها مصر تماماً، وتؤكد من خلالها على الحقوق السورية كاملة، وبالطبع فإن ذلك يعد نقطة التقاء بين البلدين، وليس نقطة تفريق، ومع تطورات الساحة اللبنانية التى تعيش أجواء تصالحية بعد تشكيل الحكومة بقيادة سعد الحريرى، لا يبقى فى الجراب خلافات كثيرة بين البلدين، وأظن أن البرودة الحالية تحتاج إلى خطوة تكسر الجليد الذى يساهم فى حدتها.
والخطوة ربما لا تحتاج إلى وساطة أطراف أخرى، لو سارت على النهج التصالحى العربى الذى يعمل عليه الرئيس مبارك، ولو سارت بنفس الطريقة العفوية اللافتة التى تحدث بها الرئيس مبارك قبل سنوات لشقيقه الرئيس السورى بشار الأسد على أرض مطار دمشق.
زيارات الرئيس مبارك الحالية لتركيا ومن قبلها فرنسا خطوة هامة فى رصيد علاقات مصر مع دول العالم، لكن تبقى خطوة إقدام الرئيس مبارك لزيارة سوريا، أو دعوة الرئيس بشار لزيارة مصر، خطوة أكبر ينتظرها الشعبان من أجل المصلحة العربية المشتركة، ومن أجل تواصل مسار التاريخ، الذى يؤكد أن التقارب بين البلدين يعود بالفوائد السياسية والاقتصادية، بدلاً من الخصم منها بسبب خلافات فى وجهات النظر، تعد شيئاً طبيعياً فى العلاقات الثنائية بين دول العالم، لكن المصالح المشتركة تكون لها على الدوام كلمة الفصل فى وضع هذه الخلافات فى مسارها الطبيعى والعادى، وآن الأوان أن تضعه القيادتان المصرية والسورية فى هذا المسار.
سعيد الشحات يكتب: متى نرى الرئيس مبارك فى دمشق.. والرئيس بشار فى القاهرة؟
الأربعاء، 16 ديسمبر 2009 06:06 م