مدحت بشاى

"القومية العربية" .. ودعوة للهروب من تكاليف رفع الشعار!!!

الثلاثاء، 01 ديسمبر 2009 07:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مع امتداد الصراع التاريخى بين العرب وإسرائيل، وما لازمه من أحداث جسام، وتحولات كبرى فى اتجاهات مختلفة .. شاهد العالم دراما مطولة ممجوجة .. مثيرة أحياناً ومكررة أحداثها فى ملل ورتابة أحياناً أخرى ، وبشعة إنسانياً من الجانب الإسرائيلى منذ الفصول الأولى لتلك الدراما عام 1947 عندما شكل 5 دول عربية جيشاً قوامه 24 ألف عربى لمواجهة إسرائيل التى بلغ قوام جيشها 63 ألف مجند من بين 73 ألفاً كان هو كل تعداد سكانها فى تلك الآونة .. وحتى مشهد رأينا فيه شارون وخلفه كل قوى البغى الإسرائيلية وهو يلعب دور البطولة منفرداً فى دراما حفلت بفرجة عالمية بعد اجتياح الأراضى الفلسطينية وحصار ياسر عرفات فى مساحة أمتار معدودات ، وهو الممثل الشرعى والوحيد للكيان الفلسطينى ورغم ما قدمه الرجل من بطولة وقدرة على مواصلة جهاده بشجاعة وبطولة إلا أن أمتنا العربية عجزت بكافة قدراتها السياسية والدبلوماسية والمادية عن فك أسره حتى جاد بأنفاسه الأخيرة رمزاً للفداء ..

وظللنا نحلم كعرب أن نحشد كل الطاقات والإمكانات العربية واتخاذ كافة التدابير لتحقيق الأمل فى الخروج من مساحات التخلف والتراجع الفكرى والحضارى، وعبر مراحل التاريخ المتعاقبة كان لمصر وللمصريين الدور الأبرز محلياً وعربياً وأفريقياً ودولياً .. لقد بتنا كعرب وعبر تلك الرحلة الطويلة التى حفلت بمواجهات عديدة لم ندرك دروس هى الأبرز ـ من وجهة نظرى ـ فى إشكالية تحقيق توازنات تدعم آمالنا نحو إنجاز مكاسب ونجاحات عربية تحسم الصراع تاريخياً فى النهاية لصالحنا والتى يمكن إيجازها فى ضرورة الدفع بكل الجهود نحو إعادة بناء أمة كان لها تاريخ وإنجاز حضارى ويأمل بنوها أن يكون لهم تواجد فى خارطة المستقبل ..

للأسف أن ذاكرة الأمة تستوعب ما يحدث ويتم الاكتفاء بضم الحدث إلى ملفات تاريخنا حتى نستدعيها فقط عند تجدد فتح بؤر صراع أو مواجهة فكرية أو عسكرية أو عند الاحتفال بذكرى المناسبة حزينة كانت أو سعيدة ..

إن نظرة بسيطة على ما يحدث على أرض الكيان الإسرائيلى يؤكد لنا كيف كثفت حكوماتهم المتعاقبة الجهود لمجابهة كل صنوف الأمية والتخلف حتى أن هناك نسبة تقل عن 5% تمثل الأمية فى إسرائيل مقابل وجود 7 ملايين أمى عربى .. وحيث دخلت كل جامعاتهم فى قائمة تقييم أفضل 500 جامعة فى العالم، بينما خرجت كل جامعاتنا العربية من تلك القائمة، بالإضافة إلى امتلاكهم منظومة عمل متواصلة ربطت بشكل كبير بين علماء المهجر اليهود المبرزين والذين يمثلون قاعدة علمية يتم تمويلها والإفادة من إنجازاتهم ودعمهم كقوى مؤثرة على مراكز صنع القرار فى مواقع تجمعهم .. وأقبل علماء الشتات لإنشاء مراكز بحثية وعلمية فى إسرائيل .. وهو ما لم نجد له مثيلاً فى الحالة العربية إقليمياً أو قومياً .. وفى مردود طبيعى لهذا التوجه العلمى تحقق للعدو ارتفاع لإنتاجية الفرد من حيث الجودة والوفرة .. فى مقابل تردى حال المنظومات التعليمية فى منطقتنا العربية وتراجع الناتج والتحصيل المعرفى.

إننا فى مواجهة حرائق مشتعلة وجروح تنزف وموتى وشهداء يسقطون فى العديد من المناطق العربية فى مواجهات مع قوى احتلال أو فى مواجهات عربية عربية أو أهلية طائفية .. فى العراق والصومال والسودان والأراضى الفلسطينية المحتلة فى غزة والضفة والجولان السورية والجزائر ولبنان وأخيراً اليمن.. وبات المواطن العربى فى حالة خوف وجزع وذعر من القادم من أحداث وهو للأسف أسوأ وفق كل توقعات ورؤى أصحاب الدراسات العلمية شديدة التخصص.

إلا أن موقعة اللقاء الكروى ــ الذى بات دموياً ــ بين مصر والجزائر يُعد حدثاً كاشفاً لحالة خواء فكرى وحضارى وإنسانى مازال يسكن بعض مواقع السكن العربى والفضاء القومى الذى لم يعد رحباً بالخير والعطاء للأسف..

أتوقف فقط عند تلك المواقف والخواطر والأحداث الدالة التالية:

• إعلان الاتحاد الدولى لكرة القدم عن موعد ومكان لقاء مصر والجزائر وخروج الصحافة الجزائرية بمانشيتات فى منتهى البشاعة والتى منها الصالح للنشر فى صحافتنا المحترمة مثل .."حان وقت الانتقام" و "سعدان سيطرح شحاته أرضاً " و " سَندق أعناق المصريين" ..

• المباراة على أرض القاهرة بأداء مصرى بديع كروياً وجماهير تغنى بروعة ونبل وأداء مثالى على المدرجات وفى الشارع المصرى وعلى واجهة البيوت وفى القلوب سكن العلم المصرى ..

• الجانب المصرى يختار الملعب السودانى والمسئولون فى بلادى يحشدون القوى الناعمة عبر دعوة أهل المغنى والفنون المختلفة للسفر ومرافقة الفريق، وعلى الجانب الجزائرى يتم تداول معلومات حول إطلاق سراح نزلاء سجن الحراش من أصحاب السوابق الإجرامية الحقيرة للنزول للأرض السودانية بعد تمويلهم بالأموال التى تكفل لهم شراء الأسلحة البيضاء والغير بيضاء والإقامة أربعة أيام عبر إعلان حالة حرب همجية، ولكنها منظمة بترتيب إجرامى غير مسبوق مؤسسى حكومى .. وينتشر هؤلاء الفئران فى حوارى وشقوق العاصمة المثلثة للاختفاء حتى خروج المشجع المصرى للانتقام الحاقد الرذيل دون وعى أو مراعاة أى حسابات قومية أو عروبية ..

• تعلو الأصوات بطول البلاد وعرضها كافرة بالعروبة والفكر القومى والانتماء للجغرافيا والتاريخ واللغة .. نعم لم يكن إعلان تلك الحالة من الكفرلأول مرة .. تم إعلانها عقب أحداث أيلول الأسود ، وعندما أغارت دولة عربية على شقيقتها .. عندما تلاسن رؤساء فى محفل عربى وقومى .. عندما تم تشكيل تحالفات للإضرار بمصالح دولة عربية .. والآن تتسارع بعض الدول للعودة لأزمنة البعد عن الأخذ بأسباب التقدم والتحضر ، وإعلان الحرب على الشعوب الرافضة للفكر السلفى لصياغة مشهد غير مسبوق لردة زمانية لعهود التخلف ..

لقد عاصرنا العديد من إعلانات الكفر بالقومية، ولكن الأمر هذه المرة لاشك مختلف للاعتبارات التالية :

• لأن ما حدث حدث بمناسبة منافسة رياضية وليس فى إطار معركة للدفاع عن حق أو أرض أو مكتسبات وطن ، فالخروج من المربع الأخضر الآمن إلى شوارع النزال الهمجى كان مروعاً !!!

• لأن ما حدث كان كاشفاً ــ للأسف ــ عن مكنون بعض الجماهير الجزائرية الغاضبة بعد أن قال البعض منهم أننا لسنا عرباً .. نحن بربر .. وردود فعل عنيفة لميلشيات جاهلة أعلنت كراهيتها لشعبنا العربى المصرى لا لشئ سوى لفارق حضارى .. فهل قدم الشعب الجزائرى الشقيق المليون شهيد لنيل الاستقلال والتحرر من الاستعمار الفرنسى ليقبع فى النهاية فى دوائر الفكر المتخلف؟!

• لأن ما حدث كان كاشفاً لمدى تراجع بعض وسائل الإعلام العربية للأسف .. من حيث التفهم لدور ورسالة الإعلام فى حياة الأمم وصناعة تقدمها ..

فى النهاية لى أمل أن يخفت صوت الإعلام الكروى، لتمارس الدبلوماسية دورها، وكفانا عشوائية فى تناول أمور خطيرة تمس مصالح شعوب ومستقبل أمم ..

إن المتابع للإعلام الإسرائيلى يحزن لمدى استثمار تلك الأزمة العربية لتوجيه رسالة شديدة القبح والمغالاة عن الشأن العربى ومدى تراجع الواقع العربى .. وفى النهاية يجب ألا توصلنا حالة الإحباط لإلقاء كل أسلحة المواجهة الحضارية .. إننا شعوب جديرة بالحياة وأمتنا العربية مطالبة بالحضورعالمياً ، حاملين فى أيادينا علم الوطن دون التنازل عن الحلم القومى حتى لو تم إقصاء كل أصحاب دعاوى الضعف واليأس عن الطريق .. ولن تتراجع مصر عن دورها ولن تهرب من تكاليف رفع الشعار القومى ..





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة