رامى عطا صديق

نغفر رغم أننا لا نستطيع أن ننسى

الإثنين، 30 نوفمبر 2009 07:06 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
للزعيم الأفريقى الشهير نيلسون مانديلا رئيس جمهورية جنوب أفريقيا السابق مقولة شهيرة يقول فيها "نغفر رغم أننا لا نستطيع أن ننسى". قال مانديلا مقولته هذه عقب خروجه من السجن والذى قضى بين جدرانه نحو 28 عاماً بعد فترة نضال من أجل الدفاع عن قضية بلاده أمام المستعمرين الأوروبيين البيض، هؤلاء الأخيرون الذين استمروا فى احتلال البلاد وحُكمها حتى عام 1994م، ليقدم الزعيم نيلسون مانديلا درساً عملياً فى معنى التسامح والمغفرة.

إننى كثيراً ما أتذكر هذه المقولة حين أقرأ فى بعض الجرائد والمجلات، وبعض المواقع الإلكترونية أيضاً، مقالات وموضوعات عدة تعادى الآخرين وتركز على إساءاتهم وسلبياتهم، وقد يكون الآخر هذا هو شخص واحد أو جماعة بعينها فى إطار علاقة فردية شخصية وضيقة، وقد يكون الآخر فى إطار علاقة أوسع ومن ذلك مثلاً الغرب بالنسبة للشرقى، بما يحمله الغرب من توجهات سياسية وقيم ثقافة، قد نتفق عليها وقد نختلف، ولكن المشكلة تكمن فى أن هذه الكتابات تنطوى فى بعض الأحيان على الكثير من الكراهية والرغبة فى المقاطعة.

إننى أتعجب هنا من دعاوى البعض الخاصة بمقاطعة الغرب ومخاصمة أوروبا وكراهية أمريكا، وربما يتطور الأمر عند البعض إلى كراهية كل العالم من حولنا، وكأننا نعيش فى جزيرة منعزلة ومنفصلة، أو كأننا لا نحتاج إلى التعامل مع الآخرين.

لا أنكر أننى شعرت بحالة من الحزن والاستياء، كغيرى من المواطنين المصريين، فضلاً عن المجتمع الدولى، على مقتل الشابة مروة الشربينى فى ألمانيا، لكنى أبداً لم أقتنع بكتابات البعض التى عملت على تفسير وتحليل ما حدث بأنه منهج غربى وأسلوب فى التعامل أو أنه مخطط ألمانى للقضاء على المسلمين والتخلص منهم ومن تواجدهم فى الغرب.

لقد ذكرتنى تلك الكتابات التى حللت هذا الحادث بقاعدة متفق عليها وهى من أسس التفكير السليم وهى خطورة التعميم وإطلاق الكل على الجزء، واعتبار الحادث ظاهرة، إذ إنه يجب عدم تعميم الخطأ وعدم تعميم الحوادث الفردية ووصفها بالعمومية، وذلك حتى لا ينطبق علينا المثل الشعبى المصرى الذى يقول "يعمل من الحبة قبة". إذ فى المقابل ينبغى أن نضع الأمور فى وضعها الصحيح دون تهويل ودون تهوين.

وفى إطار السجال الدائر فى المجتمع المصرى بين بعض المسيحيين وبعض المسلمين من أهل مصر، تتجلى خطورة التعميم، فإن يخطأ أحد المسيحيين ويهين الدين الإسلامى، فإن ذلك لا يعنى أن الديانة المسيحية تعادى الإسلام أو أن كل المسيحيين يكرهون المسلمين، والعكس صحيح. فقد تكون تلك الإساءة تعبيراً عن تيار أو اتجاه يدعمه البعض ولكنه ليس اتجاهاً عاماً وليس منهجاً وأسلوباً سائداً.

قد لا نستطيع أن ننسى الإساءة ولكننا نستطيع أن نتجاوزها إلى آفاق أكثر وسعاً وأكثر رحابة من التسامح والحب والغفران. فإن التحلى بقيمة التسامح يساعدنا على تحقيق الكثير من المنجزات التى تفيد الإنسان أولا وأخيراً أياً كان انتماؤه الدينى أو النوعى أو الجنسى أو العرقى أو الفكرى.. إلخ. فنقبل الآخرين المختلفين انطلاقاً من قيم السلام والتعاون والبناء والعمل الجماعى والعيش المشترك.. الإيجابى والفعال، وغيرها من قيم التحديث والتمدن والتطوير.

إن التسامح لا يعنى أن تتنازل عن حقوقك، التى يجب أن تطلبها بالطرق المشروعة، التى لا تتعدى فيها على حقوق الآخرين. ولكن التسامح وفى أحد معانيه إنما يعنى أن تكون هناك مساحة واسعة من قبول الآخرين.
ومع عودة إلى مقولة نيلسون مانديلا "نغفر رغم أننا لا نستطيع لا ننسى".. فإنه ليتنا نتدرب على التسامح والمغفرة للآخرين، وكذا قبول الآخرين الذين يخالفوننا الرأى والمعتقد.

زين الكلام
نشرت جريدة (القاهرة) فى عددها الصادر بتاريخ الثلاثاء 17 نوفمبر 2009م تحت عنوان "يوم عالمى باسم مانديلا" تقول: "اختارت الأمم المتحدة يوم الثامن عشر من يوليو من كل عام ليكون (اليوم العالمى لمانديلا) اعترافاً منها بإسهامات رئيس جنوب أفريقيا السابق من أجل الحرية والسلام. تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأعضائها الـ192 قراراً بتكريم مانديلا الحائز على نوبل للسلام بسبب التزامه بإيجاد حل للنزاعات وتحسين العلاقات بين الأعراق والدفاع عن حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين. يتم الاحتفال بيوم مانديلا العالمى المقبل ليتزامن مع عيد ميلاد مانديلا الثانى والتسعين".








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة