د. أشرف بلبع

مكاسب وطنية وسقطات سياسية فى الموقعة الكروية

الأربعاء، 25 نوفمبر 2009 06:59 م


فى المباريات الأخيرة مع الجزائر التهبت أحاسيسنا وتضاربت الأفكار فى رؤوسنا فلنتشارك ويعلق عليها القراء معى، وكان من الأحداث ما هو إيجابى وجب علينا أن نلقى الضوء ونبنى عليه، ومنها ما هو سلبى الذى يثير أسئلة مسكوتاً عنها مع أهمية ما تشير إليه لتصحيح المسار.

أثارت المباراة جانباً مشرقاً فرحنا به جميعاً وهو ظهور الانتماء الشديد لمصر بعد أن قيل الكثير عن تواريه وتشارك الشعب بأكمله فى حب مصر.

لقد تجلى معنى المشاركة الشعبية وأفرح أعيننا جميعاً حماسنا، الذى تشاركناه كشعب واحد وظهر جلياً ولو لوقت قصير ماذا يمكن أن يفعل هذا الحماس وهذا التشارك وهذا الانتماء لمستقبل مصر لو مهدنا له الأرضية لاستمراره وإطلاقه؟

هناك على الجانب الآخر أسئلة مسكوت عنها، لأنها تبحث فى سلبيات يحب كثيرون ألا تناقش فى حين أن المواجهة وتعلم الدروس هى سبيلنا للتقدم.

أولاً عدم الجدية: لماذا لم يجمع السفير المصرى بالجزائر كل المعلومات التى كانت تشير بالضرورة لعملية شحن عصبى قتالى للشعب الجزائرى ويضع ذلك فى تقرير تتضح فيه اتجاهات الموقف نحو التأزم ويذيله باقتراحاته التى تحاصر هذا الجو من بداياته ونقطع الطريق على أثاره المخربة؟

وإذا كان هذا قد حدث لماذا لم تتدخل السلطة فى مصر على كل مستوياتها وصولاً لرئيس الجمهورية لدى السلطة بالجزائر للتصارح والاتفاق على رسم خطوط للملعب الإعلامى بدلاً من إطلاقه لجنوح كل من هب ودب؟

لماذا لم يجمع السفير المصرى بالسودان كل المعلومات التى توافرت للأفراد العاديين هناك من وصول عشرات الآلاف من الجزائريين قبل المباراة بثلاثة وأربعة أيام وأن السلاح الأبيض ارتفع سعره خمسة أضعاف لشدة الطلب على شرائه وأن هناك معسكراً لخيام الجزائريين الوافدين وأن طائرات السلاح الجوى الجزائرى تشارك فى النقل بكثافة؟

ألم يعنى هذا كله للسفير المصرى أن الأمور تأخذ منحنى نحو الخطر الجسيم؟ ألم يعنى هذا أن يكتب لوزيره تقريراً طارئاً وعلى وجه السرعة يضع فيه اقتراحاته لتفادى كل الأحداث البائسة المرعبة التى حدثت للجمهور المصرى؟

وإذا كان هذا قد حدث فماذا فعل الوزير ورؤساؤه تجاه ذلك غير الدعاء بالتوفيق؟ لماذا تقاعست السلطة المصرية فى تقدير الموقف واتخاذ ما يلزم من الإجراءات لتأمين الجمهور المصرى؟ ولا أقول الوافد، لأن تعداد من ذهب من المصريين كان بالآلاف، هذه الآلاف كانت شعباً صغيراً استحق طريقة خاصة عند التفكير فى حماية مصالحه، الجدية كانت تقتضى أن تفكر السلطة فى مجريات حياته، أكلاً وشرباً واحداً حتى لو كان واحداً بجدية كانت تقتضى أن أتأكد كنظام مسئول بنفسى ولا أركن لتطمينات على الورق من قبل آخرين، وكان يجب أن يسافر قبلهم الوفد الأمنى الذى يدرس ويقرر الاحتياجات على أرض الواقع هناك فى السودان هذا إذا كان للمصرى قيمة كافية.

- لماذا اخترنا السودان مع إقرارنا جميعاً بالعلاقات الخاصة بين الشعبين، لكن أهذا وحده يحسم الموضوع؟ ألا نعلم كلنا أن لدولة السودان قدرات لا تستطيع أن تتعداها وتشهد الصراعات المسلحة على أرضها على محدودية قدرات النظام المركزى بالخرطوم فى كل الاتجاهات؟ ألم ندرك أن الشعب المصغر من المصريين المسافرين للخرطوم يحتاج ويستحق درجة من التنظيم والتأمين لا تحتملها السودان؟

ثانياً العشوائية المصرية: عندما سافر المصريين بالآلاف كشعب صغير ألم يتوجب على الدولة المصرية أن ترسل قبلهم فرقاً خدمات وإرشادات وتأمين تدرس أرض الواقع هناك وتستقبلهم فى المطار بالخرطوم فى مجموعات مرقمة من القاهرة وأن ترتبط كل مجموعة بالفريق المرشد والمؤمن لها، هل التعامل مع عشرات مثل التعامل مع الآلاف؟ أليس هذا هو التعامل الحضارى مع الموقف بعد دراسته بمنهج علمى يرسم الاحتياجات والمخاطر وكيفية تأمين ذلك كله؟ ألم يحن الوقت للكف عن اعتناق منهج العشوائية فى تدبير كل موقف؟ ألم تغلق السفارة المصرية فى الخرطوم أبوابها الأحد عشر مساء والوضع كارثى إلى درجة الرعب من الموت ذاته؟ أين تقدير الموقف وأين الأخذ بزمام المبادرة لمساعدة المصريين المرعوبين؟ ألم يمكن الدعوة للتجمع حول السفارة للاستقواء والاحتماء بها بالتلاحم الجماعى بدلاً من تصيدهم بالشوارع كشراذم مهددة بالموت وذلك لحين الاتصال بالحكومة السودانية والحكومة المصرية وعلى كل المستويات ووضع الأمور فى نصابها تماماً والبدء فى الترحيل على أرضية صلبة من الأمن والنظام أليس هذا ما درجنا عليه من عشوائية المسئولين عنا، متى نتغير؟

ثالثاً عدم الشفافية: لماذا تغافلنا عن أى أحداث قام بها المشجعون المصريون على الطريق من مطار القاهرة إلى مقر إقامة الفريق الجزائرى فى المباراة الأولى؟ لماذا نعتم على أى استفزاز حدث للجزائريين من إلقاء ولو طوبتين أو شتائم أو حركات مهينة من جانب المصريين، المهم هو إبراز الحقيقة كاملة وليس أجزاء منها حسب الطلب؟

ألم تكن هناك أحداث صعبة فى شارع الهرم حول فندق أوروبا مقر إقامة المشجعين الجزائريين؟ ألم يشاهد شهود عيان مصريين بأنها كانت أحداث مرعبة وذلك قبل أن سمتها الصحف الجزائرية بليلة الرعب بالقاهرة؟

متى نكف عن استغلال الفرص بعدم شفافية؟ فكل ما سمعناه عن دعم الدولة للمشجعين يتضح بعد ذلك وكأن الأمر لا يخصنا وأن معظم من سافروا بهذا الدعم هم من أعضاء الحزب الوطنى انسياقاً وراء التفكير العطن من التفرقة المصريين إلى حزب وطنى يخدم المنظومة وآخر غير وطنى لا أهمية له.

ثم تفاجئنا بأن الفريق المصرى يشتكى من ضعف التشجيع باستاد أم درمان وأنه لم يكن بالمستوى المطلوب، لماذا سافر هؤلاء إذا هل لمجرد مكافأتهم على الولاء وكفى؟

رابعاً غياب الفكر الاستراتيجى: ألم يتضح بالسرعة الكافية أن هذا الصراع الكروى بين مصر والجزائر لابد وأن يحتوى داخل إطار فكر إستراتيجى يدرك أن علاقات الشعوب يجب صيانتها وبمنتهى العناية وأن مصالح الدول شىء لا يقبل اللعب به، ولا حتى المساس به؟ أين علاقة الشعبين المصرى والجزائرى اليوم؟ وأين مصالحنا مع الجزائر ومصالح مستثمرينا فيها؟ هل ترك الأمور على سجيتها لتصل بنا لحد القطيعة؟ أين تقدير المسئولية الإستراتيجية ومحاصرة منابع الضرر قبل استفحاله ومع أول إشارة له؟ وأين سياسة إيقاف الخسائر بالتحرك الحاسم المبدع فى الاتصالات بين البلدين؟ ما هذا التيبس وبالبطء وانعدام وجود أى بوصلة سليمة توجهنا؟

خامساً: وأخيراً لماذا يكرهنا الجزائريون؟ بالتأكيد هناك خلفية بيضاء لعلاقات الشعبين أيام حرب التحرير الجزائرية وحرب أكتوبر ونشاطات المستثمرين المصريين هناك بمليارات الدولارات وكانت أحسن تمهيد لأوثق علاقات ما هى الخلفية المسكوت عنها والتى أثارت هذا التحفز الجزائرى ضدنا أهو موقف الدولة المصرية الر سمية من شعب غزة المحاصر والذى تسعى إسرائيل لتجويعه وإذلاله بمنع كل سبل الحياة عنه بما فيها الكهرباء التى تعمل بها المستشفيات والأدوية فى ظل قصف مهلك بكل الأسلحة المحرمة دولياً.

الم يكن من الفكر الاستراتيجى المبدع وقبله من العروبة والدين أن تقوم الدولة المصرية بحملة دعائية عالمية تعلن فيها أن هذه حرب إبادة بها جرائم ضد الإنسانية من تجويع ومنع إنقاذ المصابين وغيره وأن مصر تطلب مراقبين دوليين ليشهدوا أمام العالم أن فتح معبر رفح هو فقط أمام كل الغذاء والدواء والمياه النظيفة والوقود لإدارة المستشفيات وعربات إسعاف المصابين ولقطع الطريق أمام ادعاء فتحة أمام دخول السلاح، كنا ساعتها سنكسب دولياً وعربياً وشعبياً، لكن اخترنا التيبس الفكرى وأعلنا أن اتفاقية المعبر لا تسمح لنا بفتحه بعد انسحاب المراقبين الأوروبيين، أهذا كلام يقال فى ظل حرب تجويع وإبادة أهذا ما يمليه علينا فكرنا الاستراتيجى.

على أى حال هذا قد يكون تفسيراً للحاضر ولما رأيناه مكتوباً على جدار الخرطوم أن الجزائر = غزة لوصفنا بالصهاينة، ولكن من الواضح أنه ملف ملىء بالالتباسات والتراكمات التى أعجز عن تفسرها، هل هو أننا على دولتنا ينعكس علينا فى كل مكان؟ أما آن للفجر أن ينبلج؟


أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة