المشهد المصرى يوحى أن هناك حالة حراك سياسى حقيقية، وأن مصر على وشك الخروج من حالة الجمود التى عاشتها لأكثر من ربع قرن، المروجون لهذه الحالة الوهمية يستشهدون بطرح بعض وسائل الإعلام لأسماء شخصيات مصرية عالمية كبدائل للرئيس مبارك، أى أن حلم التغيير أصبح حقيقة ولم يعد من يفكر فى تولى الحكم مختلا يستحق أن يودع بقية حياته فى مستشفى الأمراض العقلية حتى يعود إلى رشده.
بعض الصحف طرحت أسماء شخصيات تلقى قبولا لدى المواطنين وركز بعضها على البرادعى مدير الوكالة الدولية للطاقة، بينما ركز آخرون على عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية، والبعض ركز على العالم المصرى أحمد زويل الحاصل على جائزة نوبل، وجاءت تصريحات البرادعى باستعداده لخوض الانتخابات الرئاسية لتشعل حالة الحماس، رغم أنه وضع شرطا لا يمكن تحقيقه فى مصر وهو نزاهة الانتخابات.
ربما تناسى مروجو هذه الحملات أن المادة 76 من الدستور تمنع ترشيح أى من هؤلاء للرئاسة، لأنهم ليسوا قيادات فى أحزاب، ولن يتمكنوا مهما كانت جماهيريتهم من الحصول على موافقة 250 من أعضاء مجلسى الشعب والشورى والمجالس المحلية، لأن الغالبية العظمى منهم ينتمون للحزب الحاكم ويدينون له بالولاء الكامل باعتباره ولى النعم الذى منحهم المقاعد، وهو وحده القادر على سحبها منهم وليس الشعب.
اللافت للانتباه أن الشخصيات التى كانت مطروحة منذ فترة انحسرت عنها الأضواء وتلاشى دورها فى عملية الحراك، وكأنها خطة مدبرة لطرح أسماء بعينها والتعتيم على آخرين، فهل هى خطة تشرف عليها أجهزة النظام؟ أم هى حملات مدفوعة من الشخصيات المطروحة لتحقيق أهداف شخصية؟.. إذا تحدثنا عن البرادعى فإن فترة عمله فى الوكالة الدولية ستنتهى هذا الشهر، وربما يرغب فى العودة لمصر بعد سنوات طويلة قضاها فى الخارج، وحصل خلالها على جنسية أخرى، وربما يسعى لمنصب كبير بعد أن ذاق طعم المنصب الدولى، أما عمرو موسى ربما يحلم بفترة ثالثة فى الجامعة العربية ومجرد طرح اسمه يشكل ضغطا على النظام ليمنحه ما يريد، أما أحمد زويل فرغم تصريحاته بأنه عالم فقط ولا يحب السياسة، إلا أنه بالتأكيد لن يرفض منصب وزير مثلا.
ربما يكون مشهد الحراك الدائر حاليا له مؤلفون وكتاب سيناريو ومخرجون هدفهم وأد أشخاص بعينهم، كانوا وما زالوا يشكلون خطرا على النظام سواء أكان القديم أو الجديد، والتخلص الصريح والمباشر منهم قد يثير القلاقل فى الداخل والخارج، وقد يعكر صفو عملية تسليم وتسلم السلطة.. الحراك الحقيقى بين والمدبر بين.. ظهر الحراك واشتعل الشارع منذ سنوات مع كفاية وأخواتها، ولكن سرعان ما خمدت النيران بفضل مهارة الأمن المصرى، وانضمت الحركات الوليدة لأحزاب المصارعة، أقصد المعارضة لتعود حالة الجمود مرة أخرى، ولكن بصورة أسوأ يستحيل معها عودة الحراك أو طرح شخصيات بديلة للرئيس إلا بموافقات أمنية.