فى عينيها ذكاء وإصرار تلمحه من بعيد، فإذا ما اقتربت تأكدت، وإذا ما طالعت معروضاتها من الحلى النحاسية، والشنط المصنوعة من الجلد الطبيعى تيقنت.
رنا رشدى البالغة من العمر الآن 28 عاما، حلمت وهى طفلة أن تصبح مميزة، فأصبحت سيدة أعمال فى سن الـ16 منذ أن كانت طالبة فى المرحلة الثانوية، وكانت وقتها أيضا تمتنع عن الذهاب إلى المصيف مع أسرتها ميسورة الحال لكى «تنزل الورشة» وسط دهشة أبيها وأمها وأخواتها البنات الأربع، وهى الصغرى المدللة.
البداية كانت من الكنيسة كما تحكى رنا، تقول: «كنت صغيرة وكانوا يعلموننا فى الكشافة كيف نصنع أشياء يدوية ثم نبيعها لصالح الكنيسة، ودعم الملاجئ، كنت أسكن فى حى شبرا وأتعلم الصناعات اليدوية تلك فى كنيسة مار جرجس، وبرعت أنا وصديقتى شيرين سيف التى كان لخالها ورشة نحاس وفضة فى حى الصاغة، وقتها عرضت شيرين على خالها أننا ننزل نتدرب عنده، طبعا استغرب هو وافتكر أننا بنات «هبل» وشوية وح نزهق، ونمشى، ولكن ما حدث كان على العكس تماما، كنا نستيقظ فى السابعة صباحا يوميا ونروح على الورشة فى الصاغة ونرجع الساعة 5 مساء بدون انقطاع، صيفا وشتاء، وبالفعل صبرنا وتعلمنا كل أسرار الشغلانة، يعنى إزاى نقص الجلد ونطعمه بموتيفات مميزة لشغلنا، وإزاى نقطع شرايح النحاس ونقسمها بنسب ملليمترات، وبعدين نصب على النحاس مواد كيميائية تظهر الرسم، ثم نقطعه وندخله على ماكينة تنعيم وتلميع، ثم نخرمه ونعمل العليقة، وكله يدوى ومن خامات طبيعية.
كان عمرى وقتها 16 سنة وأذكر أنى اشتغلت أسبوعا، وأخدت أول مرتب وكان 50 جنيها ونزلت عزمت أصحابى فى الكاتدرائية على عصير وجبت هدية لماما وبابا، ومن يومها عرفت قيمة «القرش» وقيمة الجهد والتعب، وفرحت إنى أصنع شيئا مميزا، وأننى بعد الثانوية لن أنتظر الوظيفة، أو العمل لدى صاحب عمل، وإنما سأكون أنا صاحبة العمل وسيكون لى مشروعى الخاص.
حصلت على الثانوية بمجموع أهلنى لدخول كلية التجارة بينما كان حلمى هو دخول كلية الفنون الجميلة، لذلك ذاكرت وقمت بإعادة الثانوية العامة وأنا فى كلية التجارة ونجحت والتحقت بالفعل بكلية الفنون الجميلة وحصلت على البكالوريوس فى الاثنين، وكنت بذاكر للاثنين ودخلت امتحاناتهم مع بعض، ثم أخدت دبلومة فى إدارة الأعمال بتقدير جيد جدا.
وأنا فى تانية جامعة اشتغلت فى مكتب هندسى للديكور، للتدريب حتى أستطيع جمع مال أفتح به الورشة، ولما خلصت الكلية اشتغلت فى مكتب مع مهندس ديكور كبير ومشهور، كنت أقضى فيه معظم وقتى من العاشرة صباحا وحتى 12 ليلاً وبالفعل أثبت نجاحى ونلت ثقته، ولكن حدثت خلافات فتركت العمل فى المكتب، وفوجئت بالعملاء يطلبون منى الاستمرار بفتح مكتب خاص بى، ولم يكن هذا الأمر وقتها يشغلنى لأنه كانت لدى أنا وشيرين ورشتنا للنحاس والجلد وكنا نسوق منتجاتنا فى الأقصر وأسوان، ولم يكن على بالى أن أعمل فى مجال الديكور أيضا، وهو تخصصى بعد تخرجى، ولكن الأمور جرت بشكل ميسر، وجدت إحدى العميلات تطرق باب بيتى وتعطينى صورة لصالون وتطلب منى تصميمه وتعطينى فلوسه مقدما، فتشجعت وقمت بالأمر، بعدها وجدت صديقة لى تعرض علىّ مشاركتها فى مكتب ديكور فوافقت وكنت أدفع 400 جنيه مشاركة معها فى الإيجار، والحقيقة عملت شغل كتير وازدادت خبرتى، حتى جاءت لنا طلبية تصميم أثاث لقصر تاجر ألماس سعودى فى سوريا، وسافرنا بالفعل إلى سوريا وعملنا التصميمات، وبعدها استطعت أن أستقل بمكتب خاص، ولما اتجوزت عملت عفش بيتى كله من تصميمى.
وتصمت رنا قليلاً وتواصل: «لم تكن الطريق سهلة، فأذكر أننى وشيرين بكينا كتيييير، وأصابنا الانهيار مرات عديدة بعد تعرضنا للنصب من بعض الجاليرهات التى كنا نتعامل معها.
ولكن والحمد لله، الآن أستطيع القول إننى من الـ3 .% الذين يعرفون قيمة أنفسهم ويعملون على تحقيق طموحاتهم، فقد سافرت شيرين إلى إيطاليا، وهممنا بإغلاق الورشة ولكننى طرحت عليها فكرة الاستمرار بل والتصدير، وقد كان، فمعى فى الورشة الآن 4 من العمال أقوم بإدارتهم وإرسال الشغل إلى شيرين وهى تقوم بالتسويق فى إيطاليا، ومازلت أعمل فى اليدوى والطبيعى، ما بين فرعونى وقبطى وإسلامى وسيوى وبدوى، فرسالتى هى تخليد التراث، ومازالت كلمات خال شيرين صاحب الورشة فى أذنى: «ماتتعلميش كل حاجة فى وقت واحد، اتعلمى بالملاحظة والسؤال»، فرق كبير إنك تيجى لى اسمك إيه.. وإنى أسألك اسمك إيه.
وعن أحلامها تقول: «الأحلام لا تنتهى، الأحلام عندى تتوالد وتتكاثر، ولكن حلمى الأكبر أن يصبح عندى معرض كبير، وأشغل ناس كتير بمرتبات فيها بركة، وزباين يلبسوا مصنوعات مميزة ومتقنة، أدعو الله دائما أن يستخدمنى لإسعاد الناس».
12 سنة خبرة فى المشغولات ولسه الطموح كبيييير
«رنا رشدى» المرأة النحاسية.. من سن 16 نزلت الورشة.. اتعلمت وأول مرتب كان 50 جنيها ودلوقتى سيدة أعمال.. البركة فى النحاس
الخميس، 08 أكتوبر 2009 09:03 م