د. بليغ حمدى

تعاطفك لوحده مش كفاية

الثلاثاء، 06 أكتوبر 2009 07:03 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تابعت مع كل المصريين، والأخوة العرب الذين يكنون كل الحب والتقدير والاحترام والشكر والعرفان وحفظ الجميل لدور مصر وثقافتها وعلمائها وشيوخها، انتخابات المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم والتى راح ضحيتها وزير الثقافة المصرى السيد فاروق حسنى، ولا شك أنى- كبقية المصريين- حزنت بهزيمة وزير الثقافة المصرى وعدم حصوله على منصب مدير عام منظمة اليونسكو، والتى تعد شرفاً لأى مثقف.

ولكنى حمدت الله تعالى عند ثباتى وقت الصدمة الأولى بعد سماع هزيمة السيد فاروق حسنى وعدم اقتناصه للمنصب، وحمدت الله ثانيةً أنى لم أفقد ذاكرتى مثل كثير من المصريين والمثقفين الذين راحوا يتحسرون على هزيمة السيد وزير الثقافة، ولم يقفوا برهة أمام أسباب الهزيمة الحقيقية، ودعك- عزيزى القارئ- من مخازن الأسباب التى نلجأ إليها بعد كل هزيمة متوقعة، بدءاً من كرة القدم التى يجيدها كل مواطن فى مصر، انتهاءً بالجامعات المصرية العريقة، وأشهر الأسباب التى نحتمى بها هى الرشوة والعنصرية والتعصب وكراهية العالم لمصر، والخيانة والمؤامرات الدنيئة التى يفعلها دول الشمال لدول الجنوب، وغير ذلك من الأسباب التى لا شك ستؤدى بنا إلى هاوية سحيقة.

وأنا أعتقد أن السيد الوزير فاروق حسنى لو فاز فى الانتخابات التى يراها البعض غير نزيهة بخلاف انتخاباتنا الحرة النزيهة المستقلة المتسمة بالشفافية، لكان أول ما قاله هو التغيير، والتغيير كلمة سحرية، ويظنها البعض جواداً يمتطى، فإذا كان التغيير كذلك فهل يمكننى أن أمتطيه؟.

لكن الأمر الذى أريد أن أعرفه هل لو فاز السيد فاروق حسنى وأطلق عبارة التغيير فى فكر العالم الثقافى والتنموى هل سيأخذ معه هموم وأحزان المثقفين المصريين وأعمالهم المصادرة، وقضايا الحسبة المرفوعة ضد كبار مثقفى مصر وخيرة علمائها، وهل لو فاز هل سيأخذ معه التكفيريين الجدد وأفكارهم وفتاويهم العجيبة وأساليب وزارة الثقافة وأسلحتها فى مواجهة هؤلاء؟ والأهم لو فاز السيد وزير الثقافة فى وطنى هل سيأخذ معه وهو مدير لمنظمة اليونسكو هموم التخلف فى وطنى مصر، والصراعات المتناثرة من أجل إجبار الناس على توحيد مشاعرهم مثل إعلانات تعاطفك لوحده مش كفاية، اللهم جنبنا كفاية.

ولأنى لا أفضل جعل الصورة أكثر سواداً فلن أدخل فى تفاصيل أسباب رئيسة لسقوط الوزير فى انتخابات اليونسكو مثل حريق مسرح قصر ثقافة بنى سويف، والأفلام السينمائية التى لا حديث لها سوى العشوائيات والفساد والهمجية والضرب على الفاضى، أو موجة الأفلام الكوميدية غير الهادفة، أو مستوى الأغانى والمطربين وكليبات العرى، ولن أدخل فى تفاصيل غياب الريادة المصرية فى الشعر والرواية والقصة القصيرة، وأنا على استعداد أن أقوم منفرداً باستطلاع رأى الشارع المصرى عن أسماء الشعراء والروائيين المعاصرين، ويقينى أن المواطن لا يعرف شاعراً أو أديباً معاصراً.

وإذا سألته عن آخر ديوان قرأه سيذكر لك أسماء مثل أحمد شوقى، وأمل دنقل، وصلاح عبد الصبور، ومحمود درويش، ومحمد عفيفى مطر، وعن آخر رواية سيسرد لك روايات الأديب العالمى نجيب محفوظ، وتوفيق الحكيم، وإحسان عبد القدوس، ويوسف السباعى، أما بالنسبة للغة الشارع المتردية فحدث ولا حرج، نفض، وطنش، وفكك، وغيرها من الكلمات التى انبرى بعض التافهين فى وضع معاجم وقواميس لها، كل هذا هل سيأخذه فاروق حسنى لو فاز فى تلك الانتخابات التى يصفها هو ومن معه بأنها غير نزيهة.

إن الأمر لا يعنى وزير الثقافة تحديداً، ولكن ما أعنيه فى مقالى هذا ماذا فعلت وزارة الثقافة وما تتضمنه من مسئولين ومديرين وربما مثقفين فى مواجهة الإرهاب، ولا تحدثنى عن مهرجان القراءة للجميع الذى أظنه للصفوة والنخبة فقط، ماذا فعلت الوزارة ووزيرها الفنان أمام المظاهرات والاحتجاجات والتنديدات المنتشرة بالميادين والساحات، أم أنها تركت مواجهة كل ذلك للأمن المركزى فقط ووقفت منفردةً للمشاهدة والتأمل والتحليل ورصد الأحداث.

ولك أن ترصد ماذا جرى للشارع المصرى من تغيير فعلى، لا التغيير الذى كان سينادى به وزير الثقافة لو فاز مؤخراً، بل هو تغيير للأسوأ، فالمواطن الذى لا يعرف من الثقافة شيئاً سوى الكتب المدرسية التى يدرسها أولاده، وإن سألته عن مفاهيم مثل الأصولية، والعلمانية، والماركسية، وتأريخ الأدب، والمادية الجدلية، وحركة التاريخ، يخاف أن يعلق على أسئلتك خوفاً من القبض عليه بتهمة لا يعرفها، هذا هو حال المواطن، أما حال المثقف الفعلى، والمبدع الحقيقى، فهو تحت سطوة الناشر، ومقصلة الناقد، ومقص الرقيب، هذا هو حال الإبداع الثقافى فى المحروسة.

أما بالنسبة لدور وزارة الثقافة فى الجامعات المصرية التى بلا فخر لم تحصل على مركز ضمن تصنيف جامعة شنغهاى للجامعات العالمية والتى هزمنا فيها أيضاً مثل صفر المونديال التاريخى، فلن تجد لها دوراً ملموساً، ولو سألت أحد البارزين بوزارة الثقافة سيعدد لك عدد معارض الكتب التى أقامتها الوزارة فى الجامعات، والكتاب من السهل الحصول عليه، أما الفكر فلن يصب صباً ولن ينفجر عيوناً بشباب الجامعات.

أما بالنسبة للجوائز الثقافية التى تمنحها وزارة الثقافة التى يترأسها المرشح المصرى المهزوم فانظر إلى الحاصلين عليها فى السنوات العشرة الأخيرة، وحجم الانتقادات والمثالب الموجهة إليهم حتى نخلص من ذلك بنتيجة أنه فى مصر لا يوجد مفكر بحجم الدكتور زكى نجيب محمود، ولا شاعر بقامة صلاح عبد الصبور، ولا أستاذ أكاديمى بهامة الدكتور على البطل، ولا صحفى بشعبية محمد حسنين هيكل، ولا فنان تشكيلى بإبداع صلاح طاهر.
نهاية الأمر، ودون ذكر سبب واحد لعدم استحقاق السيد الوزير الفنان فاروق حسنى الفوز بمنصب مدير عام اليونسكو، ما ظنك بثقافة شعب من كلمات أغانى مطربيه ومطرباته تلك الكلمات الرائدة: عينى بتلاغى، يا بنت يا جامدة، حجرين على الشيشة؟.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة