د. بليغ حمدى

أخطاء الخلفاء

الإثنين، 19 أكتوبر 2009 07:07 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لعل المستقرئ لهذا العنوان سيحمل بعض مشاعر الغضب والكراهية للموضوع أولاً، ثم لكاتبه بعد ذلك؛ لأنه سيظن للوهلة الأولى أننى سأتحدث عن الخلفاء الراشدين الأربعة أبى بكر وعمر وعثمان وعلى (رضى الله عنهم أجمعين)، وهم فى الأساس بشر يصيبون ويخطئون، لكنى لا ولن أتعرض لهم بمقالى هذا، فالسطور القادمة ستقتصر على الحديث عن مثالب بعض الخلفاء فى الدولة الإسلامية الذين حادوا عن طريق الإسلام المستقيم، فضلوا وفسدوا وأفسدوا، وكانوا أضل الناس حكماً وخلافةً وفقهاً وعملاً.

ولا أكاد أجزم أن معظم خلفاء الدولة الإسلامية تحديداً فى القرن الرابع الهجرى قد أخطأوا التقدير فى إدارة الأمصار الإسلامية، وقد يظن القارئ أن تعرضنا لبعض أوجه القصور لدى هؤلاء الخلفاء لا يمت بصلة إلى واقعنا الحالى، لكنى أرى ما صنعه هؤلاء الخلفاء هو التفسير المنطقى لشهوة الصمت والركود التى نحياها فى مجتمعاتنا العربية.

ولعل القرن الرابع الهجرى من أخصب قرون الخلافة الإسلامية جدلاً وإثارة، لا فى أحداثها السياسية والدينية والفنية فقط، بل والاجتماعية أيضاً، فقد شهد هذا القرن تحولات خطيرة وجذرية فى بنية الطبقة الاجتماعية وظهور حرف وصناعات جديدة ظهرت إرضاءً لأمزجة وهوس بعض الخلفاء.

ومن هؤلاء الخلفاء الخليفة المقتدر، وهو جعفر بن المعتضد الذى تولى الخلافة وهو صبى فى الثالثة عشرة من عمره، وحينما تم اختياره قيل عنه: هو صبى لا يدرى أين هو وعامة سروره أن يصرف من المكتب. وأول ما فعله هذا الصبى هو ذبحه لأحد القضاة لأنه أطاع ضميره حين قالوا له: تبايع للمقتدر، فقال: هو صبى ولا تجوز المبايعة له.

ولأن الخليفة الإسلامى صبى صغير تحكمت فيه أمه ـ وهى امرأة رومية غير عربية ـ وفى دولته وفى مصير الخلافة الإسلامية كلها، والتجربة التاريخية أثبتت أن كثيراً من النزاعات السياسية فى الدولة الإسلامية كان مصدرها أم الخليفة. فكانت تولى وتعزل وتسجن، والخليفة فى غفلة من أمره، ولقد لبث هذا الخليفة على عرش خلافة الدولة الإسلامية العظيمة زهاء خمسة وعشرين عاماً تحت جناحى أمه، والأدهش أنه لم يخرج مع جيشه إلى مرة واحدة قتل فيها، ويعلل المؤرخون هذا إلى خوف أمه عليه من الخطر، كما أنه كان كثير الشراب. وأظنك عزيزى القارئ تتعجل نهايته ومصيره، فقد قامت الثورات ضده وضد خلافته التى لا تفيق، حتى ذبح بالسيف، وسلبت ثيابه وترك مكشوف العورة، إلى أن مر رجل من الأكرة به فستر عورته ببعض الحشائش.

ولأن الشعوب العربية مصابة بفقدان الذاكرة المستديم، ولوا من بعده أخاه القاهر، وبالطبع هم لم يولوه الحكم، بل سار إليه طوعاً أى بالفطرة، وكان سبب توليه الحكم أى منطق السدة أنه رجل طاعن فى السن. ويكفينا فخراً وعجباً ودهشة أن يكون مبرر أجدادنا فى تولى الرجال الحكم هو معيار السن والعمر. المهم أن القاهر كان أهوج، وشديد الإقدام على سفك الدماء من المسلمين والأقباط واليهود على السواء، محباً للمال لا لإنفاقه على فقراء الدولة الإسلامية بل لتبذيره وإنفاقه على المعاصى وقبائح الذنوب، وتخيل أن مؤرخى عصره كانوا يصفوه بأنه غير مفكر فى عواقب الأمور، فمن الطبيعى جداً أن تسير خلافته إلى زوال قبيح، وكانت نهايته خلعه وسمل عينيه.

وأخيراً يجئ ذكر الحاكم بأمر الله، وهو شخصية نادرة متمايزة، ربما نراها فى كثير من الحكام والملوك، وهو رجل غريب الأطوار، يجلس طويلاً فى الظلمة ويوقد الشمع نهاراً، وأمر بقتل ما فى مصر من الكلاب، لأنها كانت تنبح بالليل، فربما ظن الخليفة أن الكلاب لا تنبح إلا نهاراً، ومن الأمور الغريبة أنه إذا عين قائداً له مثل عين الخادم قطع يده، ثم قطع لسانه، ومع هذا أغدق عليه بالعطايا والأموال والهدايا.

إن ما ذكرناه من أمثلة لشذوذ بعض الخلفاء ليس نتفاً من التاريخ دون قصد أو علة، إنما جعل التاريخ والماضى أساساً للحاضر والمستقبل، والتاريخ ليس حكراً على رجاله وأساتذته ومقدمى البرامج الفضائية الفراغية فقط، فالتاريخ هو علم الشارع، وفقه العوام نستقى منه عبراً ودروساً لا تنقضى ولا تنفد. وعن حكايا هؤلاء الخلفاء مع أهل الذمة قصص ونوادر وطرائف، وحديث يأتى.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة