عصام ضـاهـر يكتب: فى اليوم العالمى لمحاربته.. هل ينتصر الفقر؟ (1)

الثلاثاء، 13 أكتوبر 2009 08:14 م
عصام ضـاهـر يكتب: فى اليوم العالمى لمحاربته.. هل ينتصر الفقر؟ (1)

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حكى الرافعى على لسان أحدهم قائلا: .. رُفِعَت إلى ذات يوم قضية شيخ هَرِم، كان قد سرق دجاجة، وتوسمته فإذا هو من أذكى الناس، وإذا هو يسمو عن موضع التهمة، ولكن صح عندى أنه قد سرق، وقامت البينة عليه ووجب عليه الحكم، فقلت له: أيها الشيخ، أما تستحى وأنت شائب أن تكون لصا؟! قال: يا سيدى القاضى، كأنك تقول لى: أما تستحى أن تجوع؟! فحيرنى جوابه وأدهشنى رده، فقلت له: وإذا جعت أما تستحى أن تسرق؟! قال: يا سيدى القاضى، كأنك تقول لى: وإذا جعت أما تستحى أن تأكل؟! فكانت هذه أشد على، فقلت له: وإذا أكلت أما تأكل إلا حراما ؟! فقال: يا سيدى القاضى إنك إذا نظرت إلى محتاجا لا أجد شيئا لم ترنى سارقا حين وجدت شيئا!

كنت قد قرأت هذه القصة منذ أمد غير بعيد، وقد عادت إلى الذهن، واستدعاها الفكر فى تلك الأيام مع مناسبة اليوم العالمى لمحاربة الفقر. وليست هذه دعوة للسرقة، بل مجرد ربط الحاضر بالماضى، فما أكثر من يعيشون حياة بائسة يعانون ألم الجوع ومرارة الحرمان، حالهم مثل حال ذلك السارق الذى تحدثت عنه القصة، يرفعون شعار "العين بصيرة واليد قصيرة " .

فى باريس وفى شهر أكتوبر عام 1987 تجمع مدافعو حقوق الإنسان من كل الدول، من أجل تكريم ضحايا الجوع والجهل والعنف، وتأكيد اعتقادهم بأن الفقر ليس حتميا، وإعلان تضامنهم مع من يكافح فى العالم أجمع من أجل تدمير الفقر. وفى 22 ديسمبر 1992 قررت الأمم المتحدة بأن يوم 17 أكتوبر سيكون اليوم العالمى للقضاء على الفقر آخذين فى الاعتبار بضرورة وضع حد للفقر المدقع. ووضعت بعض النصوص التى طالبت بتوفير حياة كريمة للإنسان فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الذى اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 10 ديسمبر 1948.

حيث نصت المادة 23 فى الفقرة الثالثة منها "لكل فرد يقوم بعمل الحق فى أجر عادل مرض يكفل له ولأسرته عيشة لائقة بكرامة الإنسان تضاف إليه، عند اللزوم، وسائل أخرى للحماية الاجتماعية".

وتنص المادة 25 فى الفقرة الأولى منها "لكل شخص الحق فى مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته، ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية، وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة، وله الحق فى تأمين معيشته فى حالات البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة، وغير ذلك من فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن إرادته".

-فأين تلك الحقوق مما يتعرض له الكثير من البشر الآن من ألم الحرمان، وسوء الرعاية، وقلة التغذية، حيث يفارق الكثيرون منهم الحياة بسبب قلة ما يجد ليسد به رمقه ؟!
وأين تلك الحقوق من أرض الواقع؟ والصومال خير دليل وأفضل شاهد على ما يعانيه البشر من ضربات الفقر المتتالية.

وأين إعلان الحرب على الفقر من هذا التجويع المتعمد والحصار الظالم لأهل غزة الشرفاء؟
ليتنا نترك الشعارات البراقة، ونعمل بجد من أجل محاربة الفقر، وليتنا نسعى جاهدين من أجل توفير حياة كريمة للبؤساء الذين طال ليلهم وهم مشردون.

وليت العالم كله يعمل بالحكمة القائلة: "الوقاية خير من العلاج"، فلم لا يعمل العالم بالنظام الإسلامى بأن يفرض الزكاة على الأغنياء لمساعدة الفقراء والبؤساء؟! ولماذا لا يعود المسلمون إلى دينهم ويعملون بتعاليمه الخاصة بمحاربة الفقر؟!

هذه التعاليم التى قضت على الفقر تماما عندما ساد العدل، فعن عمر بن أسيد أن عمر بن عبد العزيز قد أغنى الناس حتى لا يجدون من يأخذ منهم مال الصدقة، وشهد بذلك يحيى بن سعيد حين قال: بعثنى عمر بن عبد العزيز على صدقات إفريقية (منطقة تونس)، فجمعتها وطلبت الفقراء أعطيها لهم، فلم أجد فقيرا يقبل أن يأخذ منى صدقة بيت المال، فاشتريت بها رقابا وأعتقتهم.

وهذا أبو بكر الصديق يعلن الحرب على من يحاول إشاعة الفقر فى المجتمع عن طريق منع الزكاة، فيعلنها فى صراحة ووضوح قائلا "والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعونى عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها"، ويقول الدكتور رفعت السيد العوضى فى كتابه "عالم إسلامى بلا فقر" تعقيبا على موقف أبى بكر الصديق: " هذه أول مرة فى التاريخ يثبت فيها أن الدولة حاربت وقاتلت بجيوشها من أجل القضاء على الفقر. ونقول عن هذه الحادثة: إنها غير مسبوقة فى التاريخ، وكذلك غير متلوة فى التاريخ. حرب مانعى الزكاة لا ينبغى أن تكون حادثة وحيدة فى التاريخ الإسلامى، وإنما يجب أن تقع عندما يمنع الأغنياء حقوق الفقراء فى الأموال التى استخلفهم اللَّه عليها وهى الزكاة".

وليتنا نرى إعلان الحرب إعلانا حقيقيا على الفقر فى العالم أجمع، مثلما رأينا الحرب الحقيقة على أسلحة الدمار الشامل، حيث إن الفقر ربما تفوق أضراره أضرار أسلحة الدمار الشامل، ومما أعجبنى فى ذلك الصدد تصريح محمد البرادعى فى حفل تكريمه فى جامعة القاهرة يوم 9/ 7/ 2008 بمناسبة حصوله على الدكتوراة الفخرية حيث قال: إن الفقر هو أقوى أسلحة الدمار الشامل.

ولذلك صح عن النبى – صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول: "اللهم أعوذ بك من الكفر والفقر، وعذاب القبر". هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه.
إن المتتبع للإحصائيات التى تتحدث عن الفقر والفقراء فى العالم، يجد أن الأعداد تتزايد فى تلك القوائم الإحصائية بشكل مخيف، لا يكاد يصدقه عقل أو يقبله منطق، ولكنها بالرغم من ذلك فهى - للأسف - الحقيقة الـمُرة.

فقد ذكر التقرير السنوى عن التنمية الصادر عن الأمم المتحدة لعام 2005 وصفاً موسعاً لحال البشرية بالنسبة إلى الفقر والصحة والتعليم حيث جاء فيه:

فوق كوكب الأرض يعيش 6 مليارات من البشر يبلغ عدد سكان الدول النامية منها 4.3 مليارات، يعيش منها ما يقارب 3 مليارات تحت خط الفقر وهو دولاران أميركيان فى اليوم، ومن بين هؤلاء هنالك 1.2 مليار يحصلون على أقل من دولار واحد يوميا.

وتوضح الإحصاءات الغربية بالأرقام أن الدول الصناعية تملك 97 % من الامتيازات العالمية كافة، وأن الشركات الدولية عابرة القارات تملك 90 % من امتيازات التقنية والإنتاج والتسويق، وأن أكثر من 80 % من أرباح إجمالى الاستثمار الأجنبى المباشر فى البلدان النامية يذهب إلى 20 دولة غنية.

وفى البلدان النامية نجد أن نسبة 33.3 % ليس لديهم مياه شرب آمنة أو معقمة صالحة للشرب والاستعمال، و25 % يفتقرون للسكن اللائق، و20 % يفتقرون لأبسط الخدمات الصحية الاعتيادية، و20 % من الأطفال لا يصلون لأكثر من الصف الخامس الابتدائى، و20 % من الطلبة يعانون من سوء ونقص التغذية.

وتبين الأرقام أن 13 مليون طفل فى العالم يموتون سنوياً قبل اليوم الخامس من ميلادهم لسوء الرعاية أو سوء التغذية أو ضعف الحالة الصحية للطفل أو الأم نتيجة الفقر أو المرض.
تنفق تسع دول من الدول المتقدمة على غذاء القطط والكلاب فى ستة أيام فقط مما يزيد عن المساعدات التى خصصتها منظمة الأمم المتحدة للدول الفقيرة فى عام كامل، ويقضى خمس سكان البلدان النامية بقية اليوم وهم يتضورون جوعا.

ويعيش ما يزيد على 430 مليون شخص فى بلدان تعانى ضائقة مالية. ويحتمل أن يزيد هذا العدد إلى خمسة أمثاله بحلول العام 2050، وتفوق نسبة الأطفال الذين لا يذهبون إلى المدارس الـ 12% .

ووفقا لتقرير الأمم المتحدة عن الحالة والتوقعات الاقتصادية فى العالم فى منتصف عام 2009، فإن عدد الأشخاص الذين يعيشون فى فقر مدقع سيزيد هذا العام بما يتراوح بين 73 مليونا و103 ملايين شخص، بسبب الأزمة الحالية. وفى حالة عدم اتخاذ تدابير فعالة لمكافحة الجوع، كما أبرزت ذلك فرقة العمل الرفيعة المستوى المعنية بأزمة الأمن الغذائى العالمية، لن يتثنى بلوغ الغايات المتعلقة بالحد من انتشار نسبة الأشخاص الذين يعانون من نقص فى التغذية والأطفال الناقصى الوزن بحلول عام 2015 .





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة