◄◄ صوروه على أنه وزير متردد، مستفز، يسىء اختيار رجاله، فاشل فى الحفاظ على آثار وتراث بلاده، ومعادٍ لحرية الفكر والإبداع
أياً كان مفهومك لنظرية المؤامرة فى قصة ترشيح وخسارة فاروق حسنى لمقعد اليونسكو فلن يفوتك أن درجات سلم الخسارة بدأت من هنا فى القاهرة. إذ قبيل وبعد الإعلان عن ترشيحه للمنصب، بدت حملات النقد الموجهة للوزير أكثر حدة وتركيزاً، وتنوعت أسباب الهجوم كما تنوع المهاجمون ما بين برلمانيين، وفنانين، وكتاب، وصحفيين، وإخوان، ونوبيين.
بحيث تجد نفسك أمام علامة استفهام كبيرة، تشير إلى أن القاهرة ليست بريئة من دم حسنى فى معركة اليونسكو، سواء بإطلاق الاتهامات، أو بتجاهل معالجتها.. ولكن الثابت فى هذا الأمر أن أولئك الذين اجتمعوا على خلق صورة مشوهة ومشوشة للوزير الفنان هم فى الأصل يكرهون وجوده داخل وزارة الثقافة، وكانت أمنيتهم أن يكون اليونسكو الطريق الذى يأخذ فاروق حسنى بعيدا عن الوزارة بلا رجعة.
ولو حاولت رسم بورتريه للوزير الفنان فاروق حسنى بريشة هؤلاء الذين يكرهون عودته للوزارة، لاكتشفت أنك أمام شخص متردد يطلق التصريحات ثم يتراجع عنها، ويقيل الموظفين ثم يعيدهم، ويسىء اختيار موظفيه، فيثبت عدم كفاءة بعضهم، وتورط البعض الآخر فى جرائم فساد، لايحترم الثوابت الدينية، يهدر المال العام ويفشل فى تنظيم المهرجانات الفنية، و يقصّر فى الحفاظ على آثار مصر وتراثها الفنى، يهمل رعاية المؤسسات الثقافية ويودى ببعضها إلى الهلاك دون تحمل أى مسئولية جنائية أو سياسية، لا يدافع عن حرية الفكر والإبداع، ولا يرعى المبدعين ويسهم فى إفساد بعضهم، ويتجاهل تمثيل مصر فى مناسبات دولية هامة، إذا كان بينه وبين مثقف ما خلاف، ثم إنه يرفض تقديم تقرير الذمة المالية الخاص به، تاركاً مصادر ثروته عرضة للشائعات.
الإسلاميون وعلى رأسهم الإخوان المسلمون وكتلتهم البرلمانية، على رأس قائمة ملاحقى فاروق حسنى بالاتهامات، وعلى رأس قائمة الذين تمنوا أن يذهب فاروق حسنى بعيداً عن وزارة الثقافة بسبب تصريحاته عن الحجاب، ثم رعايته لاحتفالية عن ابن عربى الذى وصفوه بالصوفى الخارج عن الدين، مروراً بتراجعه عن تصريحاته بشأن إحراق الكتب الإسرائيلية، ودعوته موسيقياً يحمل الجنسية الإسرائيلية إلى دار الأوبرا المصرية، ومنح جائزة الدولة لسيد القمنى، وليس انتهاء بسلسلة من التصريحات التى بدت لهم «مستفزة» قبيل بدء الانتخابات حول اليهود، والموقف الإسرائيلى، فطارد البرلمانيون الإخوان فاروق حسنى بطلبات الإحاطة، والأسئلة البرلمانية، التى وصلت إلى حد تقديم مذكرة بسحب الثقة عن الوزير وقعها 160 عضواً، وأرسل نبيه الوحش المحامى بدوره مذكرة للنائب العام تطالب برفع الحصانة عنه ومحاكمته، تضمنت اتهامات من نوع قبوله مشاركة مصر فى مسابقة للمثليين بتايلاند، ومشاركته فى تظاهرة للمثليين بروما.
الفنانون أيضاً كانوا من بين مهاجمى وزير الثقافة، خاصة بعد حريق بنى سويف فى سبتمبر 2005 الذى راح ضحيته أكثر من 52 مبدعاً ومثقفاً، وحريق المسرح القومى سبتمبر 2008، حيث وجهوا له اتهامات مباشرة بالمسئولية عن الحادثين، فتكونت جماعة 5 سبتمبر من مثقفين وفنانين بارزين على رأسهم يوسف شاهين وأحمد فؤاد نجم، وطالبوا النائب العام بالتحقيق مع الوزير، وبإقالته من منصبه، واضطر فى الحادث الأول لتقديم استقالة رفضها الرئيس مبارك، ليبتعد حسنى عن أى مسئولية سياسية أو جنائية، ومن بين الاتهامات التى وجهها له فنانون أيضاً، الموافقة على إغلاق مسرح الهناجر، وضياع التراث السينمائى المصرى بسبب عدم تنفيذ الوزير وعوده بشراء وزارته أصول الأفلام، وترميم ما فقد منها فى مشروع «سينماتيك»، هذا فضلاً عن الاختيارات غير الصائبة لرؤساء مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، الذى توجه له انتقادات بأن مستواه يتراجع عاماً بعد عام.
إساءة اختيار موظفيه تقع على رأس قائمة الاتهامات الموجهة للوزير من قبل مثقفين، فمدير مكتب الوزير وساعده الأيمن محكوم عليه بالحبس عشر سنوات فى قضية رشوة، هذا بخلاف اتهامه بعدم الكفاءة فى إدارة ملف الآثار حيث تعرض فى عهده المتحف المصرى القديم لعدة سرقات، ودار الكتب، واختفت مخطوطة الإمام الشافعى، قائمة الاتهامات الموجهة للوزير والتى روجها كارهو عودته لمنصبه يصعب حصرها، وتتضمن تضحيته بتمثيل مصر فى مهرجان تولوز الأدبى بسبب خلافاته مع الروائى صنع الله إبراهيم الذى رفض جائزة الدولة، وضلوعه فى مصادرة أعمال أدبية وفنية بالصمت وعدم الدفاع عنها، والموافقة الضمنية على إغلاق مسرح الهناجر لفترة طويلة دون سبب، وتدهور المؤسسات الثقافية، وتراجع الاهتمام بالمطبوعات الدورية الصادرة عن الوزارة، وغيرها كثير، من المؤكد أن جميع ما سبق كتلة من النيران امتد بعض ألسنتها إلى باريس لتحرق أطراف حسنى وتؤدى إلى ضياع المنصب الدولى.