الخلط بين النظام والدولة فى مصر خطأ سياسى شهير

الخميس، 01 أكتوبر 2009 09:09 م
الخلط بين النظام والدولة فى مصر خطأ سياسى شهير محمد البرادعى
كتب سعيد شعيب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄◄الذى خاض معركة اليونسكو ليس فاروق حسنى.. ولكنها الدولة المصرية والفارق ضخم لو تعلمون

هو خطأ شهير، لا يتعلق بمعركة اليونسكو ولكن يتجسد فى الكثير والكثير من شئون حياتنا، حتى أصبح المجتمع يتعامل معه وكأنه بديهية صحيحة تماما، أقصد التوحيد بين السلطة الحاكمة وبين الدولة المصرية، فكأن هذا هو ذاك، وذاك هو هذا، رغم أن الفارق ضخم.

فأى نجاح للدولة المصرية يعتبره المعارضون لها، نجاحا للسلطة الحاكمة، وإطالة لزمن استبدادها، وأى فشل للدولة المصرية بالضرورة يقلل من عمرها. ولو أقدمت هذه السلطة الحاكمة على فعل إيجابى، مثل بناء مساكن للفقراء، أو بناء مستشفيات أو غيرها من الخدمات الضرورية للناس، فلا داعى على الإطلاق للإشادة به، بل من الأفضل أن نتجاهله وكأنه يحدث فى بلد آخر. فى حين أنها لو ارتكبت أخطاء وخطايا، فعلينا سبها ولعنها، دون أن نقدم انتقادا حقيقيا ودون سعى من السياسيين لتقديم حلول عملية للمشاكل.. لأننا لو قدمنا لها ذلك، فهذا سيطيل عمرها.. ولذلك ستجد المزاج العام لدى كثير من المعارضين ليس لديه أى مشكلة فى أن يحدث تخريب أو حتى فوضى طالما أنه يصب لصالح هدفه السياسى وهو إسقاط هذه السلطة الغاشمة، وكأنه يصر على أن يحكم «خرابة» وليس دولة من بعدها.

ستجد ذلك فى العديد من المواقف آخرها معركة اليونسكو، ومن قبلها العدوان الصهيونى الغاشم على غزة.. ففى كليهما كان الانشغال الحقيقى ليس الحفاظ على الدولة والدفاع عنها، ولكن اتخاذها ذرائع لهدم الدولة على رأس النظام الحاكم، ومن ثم رحيله، دون أن ينتبه هؤلاء إلى أن هدم وتدمير الدولة وانتهاك أمنها القومى يعنى خراب البلد على رؤوسنا جميعا، حكوميين ومعارضين ومواطنين. ما أناقشه الآن ليس الخطايا التى ارتكبتها الإدارة المصرية، أى الحكومة، فيمكننا بسهولة الاتفاق عليها، ولكن الأداء السياسى من جانب كثير من المعارضين، بل لقد وصل الأمر بأحدهم برفع إصبعيه بعلامة النصر عندما دخل غزة.. دون أن يسأل نفسه ويسأله مناصروه هل يريد لدولته أن تخوض حربا مع إسرائيل، وما هى حجم الخسائر البشرية والاقتصادية والخسائر على مستوى العلاقات الدولية، وإذا تم فتح الحدود بهذه العشوائية، فما هى الضمانات التى تحمى أمن سيناء وأمن البلد من عمليات إرهابية، وهل نريد التحالف مع قوى إقليمية تريد تغيير طبيعة الدولة المصرية إلى دولة مشايخ؟
هذه الأسئلة وإجاباتها لا تتعلق بتأييدك لنظام مبارك أو معارضتك له، فالأنظمة تتغير، ولكنها متعلقة بالدولة، أنا وأنت والجمعيات والمؤسسات والنقابات والأحزاب. والفصل بين الدولة ومن يديرها ستجده لدى عدونا إسرائيل، فالخلافات بين مختلف القوى السياسية أكثر حدة من مصر، ولكن لديهم أمران لا يختلفون حولهما، الأول هو الإدارة الديمقراطية السلمية لهذه الصراعات، والثانى هو أن هناك خطوطا حمراء يلتزم بها الجميع وأولها بالطبع حماية الدولة وأمنها القومى، قد يختلفون فى الوسائل ولكنهم لا يختلفون فى الأهداف.

أعرف أن طول زمن الاستبداد هو السبب فى هذا الدمج الخاطئ بين السلطة والدولة، فالسلطة نمنحها تفويضا مشروطا بالإدارة وليس الملكية، ولكن إذا كانت السلطة الحاكمة مستبدة وغبية، فهل نكون مثلها، هل نسعى بكل قوتنا لأن نصبح مثل خصومنا أغبياء ومستبدين؟
أظن أن الإجابة العاقلة هى لا.

هذا المنطق الفاسد تكرر فى مؤتمر الشعر الأخير، فكان هناك مؤتمر للشعر البديل، وربما يكون هذا أمرا عاديا، بل ربما يراه البعض إيجابيا، ولكن الخطيئة هى التعامل مع مؤسسات الدولة باعتبارها مؤسسات الأعداء، ومن يعمل من خلالها فهو خائن وعميل للسلطة، رغم أن هذه المؤسسات، منها المجلس الأعلى للثقافة، لا يملكها الوزير ولا رئيس الجمهورية، وليس الحل فى معاداتها وهجرها، ولكن فى تحريرها، أى انتزاعها من حضن الحكومة وإعادتها لحضن الدولة.

معركة اليونسكو إذن هى تكرار لهذه الخطايا، ولكنه فقط أكثر فجاجة، فمعظم مؤيديه اعتبروا فوزه نجاحا شخصيا، ومعظم معارضيه اعتبروا هزيمته عملا وطنيا، رغم أن المعركة كانت أولا وأخيرا لصالح الدولة المصرية أولا، وأى خلاف سياسى مع السلطة الحاكمة لا يحجب هذه الحقيقة، فنجاحه فى الحصول على مقعد رئاسة اليونسكو ليس مكسبا للرئيس مبارك، ولكنه مكسب للدولة، مثلما كان وجود الدكتور محمد البرادعى على رأس وكالة الطاقة الذرية.

وليس بالمقصود هنا المكسب المباشر مثل إصداره قرارا بالتفتيش على المنشآت النووية الإسرائيلية، وهذا ليس فى استطاعته، ولكن فى الثقل الاستراتيجى للدولة المصرية فى العالم، وفى أن هذه الدولة بعناصر الجغرافيا والتاريخ والبشر قادرة على أن تدفع أبناءها، أيا كانت اتجاهاتهم وعقائدهم، لتولى أرفع المواقع الدولية، أو للمنافسة بقوة عليها كما حدث مع فاروق حسنى.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة