عصام سلطان

لا تحرِجُـوا أنفسكـم

الخميس، 08 يناير 2009 10:51 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ماذا لو تطورت الأوضاع فى غزة، وطال أمد المعركة الدائرة الآن بين المقاومة الفلسطينية والجيش الإسرائيلى، وزادت صواريخ المقاومة على البلدات والأحياء والمجمعات السكنية الإسرائيلية، وزاد عدد القتلى الإسرائيليين، وأضحى سكان هذه البلدات تحت رحمة صافرات الإنذار، وتبدلت إقامتهم من البيوت إلى المخابئ، وفى نفس الوقت بدأت تعلو أصوات الاحتجاج داخل الجيش الإسرائيلى، وبدأت ملاحقة المعارضة للحكومة الإسرائيلية، وانطلقت الصحافة الإسرائيلية الحرة تنتقد قرار الحرب ابتداءً، وبدأت الحكومة تجتمع وتنفض، تم تجتمع وتنفض، وتنقضى الأيام تلو الأيام والحال كذلك، بما لا تتحمله حكومة إسرائيل ولا جيش إسرائيل ولا شعب إسرائيل ؟ ماذا لو حدث ذلك ؟ وماذا أيضاً لو بدأت إسرائيل التفكير فى الخروج من هذه المشكلة، وتلمس الوسطـاء هنا وهناك، لإنهاء الوضع الذى طال، وطال تحمله، تمراره؟

بمعنى أدق، ماذا لو حدث لإسرائيل نفس ما حدث لها فى صيف 2006م أمام المقاومة اللبنانية، بعد مرور الأسبوع الأول والثانى والثالث من بدء المعركة بينهما، ثم انتهاء الحكومة الإسرائيلية إلى اتخاذ قرارها بإنهاء حربها الخاسرة، ثم تشكيل لجنة فينوجراد، لبحث أسباب الهزيمة التى مُنى بها الجيش الإسرائيلى..؟

ماذا لو حدث شئٌ من هذا فى معركة غزة.. استمرار فى المعركة بين الطرفين أسبوعاً، أو أسبوعين، أو ثلاثة، ثم نفاد تحمل الإسرائيليين، ثم بحث عن مخرج، ثم تشكيلهم لجنة لبحث أسباب الانكسار.!

ماذا لو حدث ذلك؟، ما هو موقف الأخوة اللائمين والمحذرين، العالمين ببواطن الأمور وظواهرها، والحاسبين الحسابات الاستراتيجية حتى منتهاها، من العاملين بالحكومة المصرية، وصحفها القومية، وبعض الفضائيات..

لقد كان موقف إخواننا الاستراتيجيين منذ عامين أثناء الحرب الإسرائيلية مع المقاومة اللبنانية، موقفاً محرجاً للغاية، إذ بمجرد بدء المعركة آنذاك، علت أصواتهم باللوم والتحذير والنقد والتقريع، ضد المقاومة اللبنانية، وفكرها، وسلاحها، وأهدافها، وارتباطاتها الإقليمية، وتوازناتها الدولية، فأتوا عليها ولم يبقوا منها شيئاً، وكانت نبرة التيئيس والتحبيط للشعوب العربية هى السائدة فى خطابهم، وكان الرئيس مبارك خير معبّرٍ عن تلك اللهجة، بعبارته الشهيرة » أحط نفسى فى بق الأسد »، ثم لما تغير الحال، سكت الجميع عن الكلام المباح، وغير المباح، وشعروا بحرج شديد، وغيروا الموضوع، وبدأوا يتحدثون فى أمور أخرى، لا علاقة لها بانكسار إسرائيل، ولم يعلق أحدهم على تقرير فينوجراد، واعتقدوا أن مرور الزمن سينسى الناس موقفهم المحرج السخيف، وما سبق أن أعلنوه من حسابات استراتيجية خاطئة، وما أصدروه من أحكام متسرعة.. ولكنهم اليوم يخطئون نفس الخطأ ويرتكبون ذات الذنب، بل يختزلون الشعب الفلسطينى كله فى حماس، وحماس ابنة الحركة الإسلامية، والحركة الإسلامية خطر، خطر فى ذاتها، ولمن حولها، خطر على كراسى الحكم، كما هى خطر على إسرائيل، ومن ثم فقد وجب التنسيق بين الجالسين على تلك الكراسى وبين إسرائيل، التنسيق فى الحصار على أهل غزة والتجويع، والتنسيق فى بدء الحرب، والتغطية الإعلامية لها، وحتى التنسيق بين الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية بخرائطها الموضحة فيها مواقع المقاومة، وبيوت المقاومين، وأماكن السلاح، وتقديم ذلك كله إلى الجيش الإسرائيلى ليقوم بقصفها، ثم إخراج ذلك كله فى صورة حسابات استراتيجية ناتجة عن دراسة عميقة وأرقام دقيقة لا تقبل المناقشة !

ياسبحان الله، نفس الخطأ، ونفس الرهان الخاسر الموصل لذات الحرج، حتى أنه لم يبق إلا أن تعلن السلطة الفلسطينية بعد انتهاء الحرب، أنها بصدد نزع شبكة التليفونات الأرضية داخل غزة، طبعاً فى إطار تطوير البنية التحتية، لتحسين معيشة الشعب الفلسطينى !

إن الملمح الرئيسى للحرب الدائرة الآن فى غزة، بين إسرائيل والمقاومة، أنها لا تنبئ فقط، عن مقاومة صلبة مجاهدة ستحقق أهدافها بإذن الله، ولكنها تكشف عن الخط الفاصل بين معسكرين داخل الأمة العربية، معسكرٍ مقاومٍ ممانع، ومعسكرٍ يائسٍ بائع .. ولكنه استراتيجى..!






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة