رشا عبد الله تكتب من كوريا الجنوبية

كنت أول امرأة عربية تبيت فى معبد بوذى

السبت، 03 يناير 2009 07:48 م
كنت أول امرأة عربية تبيت فى معبد بوذى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
رأيت شعباً لا يعرف البدانة والسبب أنواع الأطعمة التى يتناولها
رغم تقدمهم المذهل، حافظوا على ثقافتهم وتقاليدهم وابتعدوا عن الثقافة الغربية

هل استمعت إلى الغناء الكورى أو الفيتنامى من قبل؟ وهل رأيت أحدا ًمن منغوليا أو بوتان أو كمبوديا يشدو بأغنيات بلغة بلده؟ ولأن الإجابة فى الأغلب هى لا، فدعنى أخبرك بأنى حظيت بالإنصات إلى إيقاعات موسيقية تمثل أكثر من 18 دولة شرق آسيوية فى ليلة واحدة .. صحيح أننى لم أفهم كلمة مما ترنم بها هذا الصحفى أو ذاك، إلا أننى لا أخفى عليك: قد استمتعت كثيراً بما أسمع وانفعلت طويلاً بتلك الإيقاعات .. أما كيف تم ذلك وأين، فتعال أقص عليك نبأ هذه الليلة الفريدة ضمن ما تيسر لى من رحلتى إلى كوريا الجنوبية.

جئت إلى سيول، العاصمة الكورية، بدعوة من جمعية الصحفيين الآسيويين AJA، ذلك الكيان الذى تشكل فى القارة الآسيوية عام 2003، وتبلور بشكل رسمى عام 2005، ويرأس مجلس إدارتها سنج كى لى، بينما يتولى روى أوه منصب سكرتيرها العام، والذى تواصل معنا عبر البريد الإلكترونى فى التفاصيل الخاصة بالرحلة والبرنامج حتى وصلنا إلى كوريا الجنوبية. وجمعية الصحفيين الآسيويين مستقلة ومحايدة لا تستند إلى فكر محدد أو عقيدة معينة ولا تسعى للربح، وشعارها هو "للحقيقة خط واحد يؤكده العرق والدم"، وقد نجحت هذه الجمعية فى تبنى ودفع الاهتمام بكثير من القضايا التى تهم كل بلدان العالم مثل حرية الصحافة فى شرق آسيا وسيادة الديمقراطية والسلام العالمى.


ولأن قضايا البيئة والتغيرات المناخية من القضايا التى شكلت اهتماماً عالياً لدى كثير من الدول فى شرق آسيا، لما تعرضت له هذه المنطقة من كوارث طبيعية أدت إلى وفاة الآلاف من الأشخاص ودمار مئات المنازل وندرة الأمطار فى بعض المناطق وغيرها من الكوارث الإنسانية، تم اختيار وتحديد موضوع الملتقى الثالث عن التغيرات المناخية والاحتباس الحرارى، لما يمثله هذا الموضوع من إلحاح كبير على الساحة الدولية، وما يمكن أن تؤثر به البيئة ومشكلاتها على الوضع الاقتصادى والسياسى والاجتماعى لأى دولة.

وقد رحبت الجمعية فى هذه السنة بالصحفيين والباحثين العاملين فى هذا المجال من الدول المختلفة، بعد أن كان مقصوراً فى السنتين الماضيتين على الصحفيين من دول شرق آسيا فقط، وذلك رغبة منها فى إتاحة الفرصة لتبادل الخبرات، ومحاولة للتعرف أو وضع تصور ورؤية متكاملة للدور الذى يمكن أن يقوم به الإعلام والصحافة فى رفع الوعى لدى البشر للتعامل مع مشكلات البيئة. وقد كان لى شرف تلبية هذه الدعوة الكريمة، وتقديم تصور مقترح عن دور قطاعى التعليم والإعلام فى رفع الوعى البيئى لدى الأفراد فى المجتمعات، والتحدث عن بعض التجارب المصرية فى مجال البيئة، والتى شاركت فى العمل بها فى مصر.

بداية الرحلة
وصلنا إلى مطار أنشون الدولى الذى يبعد عن العاصمة سيول نحو 90 كم، ولم أستطع أن أخفى اندهاشى من ضخامة وفخامة المكان .. ركبنا قطاراً داخل المطار وانتقلنا من مكان إلى آخر ومن مبنى لآخر حتى وجدنا أنفسنا أخيراً خارج المطار، وبعد الانتظار لمدة لم تزد عن عشر دقائق جاء الأتوبيس المنتظر ورقمه 6006، وهو يأتى كل 30 دقيقة ولا يتأخر ثانية واحدة، ركبنا وبعد نحو ساعة ونصف الساعة وصلنا إلى فندق أوليمبيك باركتل فى قلب مدينة الجمال سيول.

كوريا الجنوبية فردوس آسيا
يعود تاريخ سيول إلى أكثر من 600 عام، وتتمتع هذه المدينة بشهرة واسعة، حيث تعتبر المركز التعليمى والثقافى والسياسى والاقتصادى للدولة، وتمزج بين التقليدية والحداثة إذ تحتضن الكثير من القصور التاريخية القديمة جنباً إلى جنب مع الأبراج الشاهقة. ويبلغ عدد سكان كوريا الجنوبية نحو 47 مليون نسمة، وتتكون من 6 أقاليم أساسية، وتضم 77 مدينة و88 مقاطعة، وتعتبر من أكبر المناطق الجبلية فى العالم حيث تغطى الجبال الخضراء 70% من مساحة أراضيها، وهى من أكثر المناطق الآسيوية إشراقاً بسبب مقوماتها الطبيعية التى قلما تجدها فى مكان واحد، حيث الجزر الطبيعية والبحيرات والأنهار التى تحيط بها من كل جانب، مما يجعلها توفر للزوار عالماً فريداً من الخيال والاستمتاع والمرح. أضف إلى ذلك الجو المعتدل الذى تتمتع به كوريا الجنوبية أغلب فصول السنة، لذا فإن موسم السياحة مستمر طوال العام حتى أطلق عليها شعار "كوريا الجنوبية ـ سياحة الفصول الربعة".

الشعب الكورى مبتسم ومقبل على الحياة

الاحترام والأدب الشديد من أهم صفات الشعب الكورى، حتى إنه لا يمكن لأى فرد يذكر اسم شخص أكبر منه سناً بشكل مجرد .. بل يجب أن تضاف إليه كلمة "يونج" فى نهاية الاسم وتعنى الأخ الأكبر، أو "نونا" وتعنى الأخت الكبرى.

هو شعب مبتسم محب ومقبل على الحياة، يهتم بالجمال وكيفية تحويل كل ما حوله إلى أشكال وألوان بديعة تنبض بالرقة والعذوبة وتعلن عن رغبة فى الاستمتاع بكل شىء. ولا يقتصر ذلك فى القدرة المدهشة على تصفيف النباتات وتنسيق الزهور فى أشكال مبهرة تسحر الألباب فحسب، بل يتجلى بوضوح فى اختيارهم لألوان ملابسهم والرسومات والألوان الجميلة للواجهات الخارجية للمحلات والبيوت.

الرشاقة والشعر الأسود الكثيف هى الصفة المشتركة بين الرجال والنساء الكوريين، فمن النادر أن تجد رجلاً أو امرأة كورية بدينة أو يكسو شعرهما أى شعيرات بيضاء، فضلاً عن النشاط الدائم، حيث يبدأ يوم العمل من الساعة الثامنة والنصف وحتى الساعة السادسة والنصف بعد الظهر، أى يستمر العمل لأكثر من 9 ساعات يومياً، ومع ذلك تجدهم يتحركون بهمة ونشاط. وقد يرجع ذلك إلى نوعية الطعام الذى يتناولونه، والذى يعتمد غالبيته على أنواع متباينة من النباتات وأنواع مختلفة وغريبة من الأسماك والأرز وجودها أساسى فى كل وجبة، مع ملاحظة أنهم نادراً ما يستخدمون الزيت أو السمن!


كوريا صعبة المراس
لم تتأثر الثقافة الكورية بثقافات البلاد الأوروبية أو الولايات المتحدة الأمريكية، حيث إن علاقة غالبية الشعب الكورى باللغة الانجليزية ضعيفة أو منعدمة، فهناك صعوبة شديدة جداً فى التفاهم مع الآخرين أو الاستفسار عن مكان تود الذهاب إليه، ولأن خطأ واحداً يعنى الذهاب إلى المجهول، فلابد من معرفة المناطق وأسماء الشوارع وأرقامها جيداً حتى لا تضيع وسط شوارع كوريا الجنوبية الفاتنة!

بين نهر الهان ومقابلة الدكتور هان
ولأننا مازلنا بانتظار باقى الوفود من البلاد الأخرى والمنتدى لم يبدأ بعد، قام العاملون على إقامة هذا المنتدى بتنظيم جولة سياحية فى قلب مدينة سيول، بدأت بالسير على الأقدام بمحاذاة أحد فروع نهر الهان، والاستماع من مرشد الجولة إلى الأساطير والحكايات الكثيرة والغريبة التى تحكى قصة كفاح وانتصارات الشعب الكورى الجنوبى منذ أكثر من 600 سنة. وإذا لم تستطع أن تلاحق المرشد فى اللغة وتفهم ما يقول بشكل كامل، فإنى أخبرك بأن الرسومات البديعة والموجودة على الجدار بطول النهر تقريباً كافية لأن تحكى وتفسر لك المعارك والحروب، كما تتجلى فيها بوضوح الدقة والحس الفنى والجمالى لدى هذا الشعب منذ قديم الأزل.


بعد ذلك انتقلنا إلى سوق "إن سا دونج"، والذى يشتهر ببيع المشغولات اليدوية والتحف التذكارية والهدايا التقليدية الكورية. سرنا فى الشوارع القديمة واستمتعنا برؤية المحلات الجميلة، ورغم بساطتها، إلا أنها تنبئ بحس جمالى رفيع المستوى، ولا أخفى عليك المرارة التى شعرت بها عندما تذكرت سوق العتبة بمصر، مع الفارق طبعاً!

كان من المفترض أن ننتقل بعد هذه الجولة لتناول العشاء على مركب جميل، لكن ما إن وصلنا وقابلنا الأستاذ مصطفى عبد الله وزوجته منه الله سامى من مصر والأستاذ أشرف أبو اليزيد، حتى فوجئنا بدعوة من الدكتور هان رئيس المركز الكورى للثقافة العربية والإسلامية بمدينة أنشون للمشاركة فى الملتقى الأول للشعر الكورى المعاصر، وبالفعل بعد فترة قصيرة من الوقت وقبل بداية العشاء، حضر إلينا الدكتور تشوى سكرتير عام المركز وأخذنا على الفور لحضور هذا الملتقى الذى سعدنا فيه بالتعرف على شاعرين من أهم شعراء كوريا الجنوبية، هما دونج جين لى سفير كوريا الجنوبية السابق فى مملكة البحرين ومؤسس دار نشر صنى وورلد، والمستعرب يونج تاى لى نائب رئيس جامعة هانكوك للدراسات الأجنبية، وهى إحدى أكبر الجامعات الكورية، وعدد من المبدعين والإعلاميين من النقاد العرب والكوريين، من بينهم الشاعرة والكاتبة الإيرانية بونية ندائى والدكتور يوسف عبد الفتاح أستاذ اللغويات بجامعة هانكوك وناصر عراق مدير تحرير مجلة دبى الثقافية. وما إن اختتم ملتقى الشعر الكورى المعاصر، حتى كان بانتظارنا فى اليوم التالى بداية المنتدى الثالث لجمعية الصحفيين الآسيويين.

منتدى البيئة والإعلام
فى يوم الثلاثاء السابع من أكتوبر وفى الطابق الحادى والخمسين من برج التجارة العالمى الكائن فى قلب العاصمة سيول، افتتح سنج كى لى رئيس جمعية الصحفيين الآسيويين جلسات المنتدى وسط اهتمام عالٍ على المستوى الإعلامى والدبلوماسى، حيث حضر المنتدى العديد من الشخصيات البارزة من كوريا الجنوبية ومن الدول الأخرى المشاركة، منها جو كن رئيس مركز التغيرات المناخية بكوريا وتشارلز موريسون رئيس مركز شرق غرب وجيم بواميلا رئيس الاتحاد العالمى للصحفيين IFJ.

وتناولت الجلسات موضوعات مهمة وذات علاقة بمشكلة تغيرات المناخ والاحتباس الحرارى وتأثيرها على المجتمعات وخاصة فى الدول الآسيوية، وتقدم العديد من المشاركين ببعض التصورات والأفكار عن الدور الذى يمكن أن يلعبه الإعلام فى مثل هذه القضايا، فتقدم كل من برامود ماثور (الهند) ودونالد جاسبر (هونج كونج) وأشرف أبو اليزيد سكرتير تحرير مجلة العربى الكويتية بعرض خطط عمل مختلفة وموسعة لكيفية تناول الإعلام لقضايا البيئة، بشكل يمكن أن يحدث رد فعل إيجابى لدى الأفراد فى المجتمعات، ومن ثم التعامل بوعى مع هذه المشكلات.


وكان لى شرف تقديم تصور عن دور الإعلام فى تنمية الوعى البيئى لدى الأفراد فى المجتمع وعرض بعض التجارب المصرية فى هذا المجال. كما قدمت سوزان ريتشارد رئيس منظمة الخطوة الأولى (كندا) تقريراً عن المشكلات البيئية فى كوريا الشمالية والأمراض الناتجة عن سوء التغذية التى يعانى منها أطفال هذه المنطقة.

وبعد عدد من الجلسات المتتالية والإرهاق الذى ما لبث أن ظهر على أغلب الحاضرين، كانت جلسة الختام، كما نقول فى مجتمعاتنا العربية، وختامه مسك، فقد أحسن العاملون على تنظيم هذا المؤتمر باختيار موعد عرض جون رى ذى السبعة والسبعين عاماً والشخصية الأكثر حضوراً وتفاعلاً فى هذا المنتدى، والذى قدم عرضاً أدهش الحاضرين وأمتعهم وأجبرهم على الانتباه، ويعرف جون رى فى كوريا الجنوبية بأبو التايكوندو الأمريكى وصديق محمد على كلاى، وعرض رى مفهوماً جديداً عن فن الحياة السعيدة، وأطلق عليه التروتوبيا أى اليوتويا التى يمكن أن نشيدها على أرض الواقع، وتعتمد نظريته على ثلاثة مفاهيم أساسية هى الحقيقة والجمال والحب.

انتهى هذا اليوم الحافل بحفل عشاء فاخر، تحت عنوان "الحب والصداقة والسلام فى آسيا"، وتم افتتاح هذا العشاء ببعض العروض الموسيقية والراقصة لمجموعة من الشباب الكورى، واختتم بتكريم وتوزيع جوائز الجمعية للصحفيين المتميزين من دول شرق آسيا لعام 2008، والتى كانت من نصيب يانج منج سن من الصين، دامدنشين بولدخويانج من منغوليا وأخيراً براجيش بهليتا من الهند.

على الحدود بين الكوريتين
فى اليوم التالى، أعلنت الإذاعة والأخبار عن قيام العاملين بإحدى المحطات التلفزيونية بإضراب نتيجة لتعيين مدير جديد بالقناة، وقيام هذا الأخير بإنهاء عمل عدد من الصحفيين من القناة، فتحمس عدد من الصحفيين المشاركين فى المنتدى لزيارة المكان وإعلان تضامنهم معهم، وبالفعل انتقلنا إلى المحطة التلفزيونية لنعلن مشاركتنا الوجدانية معهم.

بعد ذلك ركبنا الأتوبيس وذهبنا لزيارة Demilitarized DMZ، وهى المنطقة الواقعة على الحدود بين الكوريتين الشمالية والجنوبية، وقد دخل هذا الجزء تحت سيطرة الأخيرة وتحديداً ضمن إقليم تشين وون، وهى منطقة عسكرية لا يسكنها أحد غير المساحات العظيمة من الغابات الجبلية. وفى مبنى مرصد السلام التابع لإقليم تشين ون تم إطلاق مظاهرة دولية ضد غزو ثانى أكسيد الكربون لرئة العالم، تبعها توقيع الوفود على بيان جمعية الصحفيين الآسيويين لبدء الثورة الخضراء فى أنقى مكان فى كوريا الخضراء.

انتقلنا بعد ذلك إلى فندق كوندومنيوم الواقع فى مقاطعة جانج وان دو، والتى تقع فى منطقة الحدود فى الجزء الشرقى من شبه الجزيرة الكورية، وتكسو الخضرة والغابات معظم أراضى هذه المقاطعة، حيث توفر بيئة ومكاناً للاسترخاء محبباً للسائحين فى أغلب شهور السنة، كما تحتضن بين أراضيها مدناً ساحلية خلابة وجبالاً شاهقة، فتوفر لمحبى التزحلق على الجليد الفرصة لممارسة هذه الرياضة المثيرة، ويزور هذه المنطقة ما يزيد على المليون زائر سنوياً.

الطريق إلى المعبد

فى صباح التاسع من أكتوبر، كانت الجلسة الأخيرة من منتدى جمعية الصحفيين، وفيها تم عرض التجارب والخبرات المختلفة للصحفيين فى التعامل مع مشكلات البيئة فى بلادهم، ثم تناولنا غذاء لذيذاً فى أحد المطاعم الشعبية، بعد ذلك انطلقنا إلى معبد باك دم سا والموجود بين أحضان جبال سوراك العالية فى مقاطعة جانج وان دو. ويعتبر هذا المعبد من أهم وأقدم المعابد البوذية فى كوريا، فقد بنى منذ أكثر من 1400 سنة، وتحديداً فى سنة 647، وقد قامت الحكومة الكورية بصيانته وتجديده عدة مرات آخرها عام 1998. وفى قديم الزمان وبسبب موقع هذه المعبد المنعزل، كان الوصول له يعد مشقة كبيرة، لذا كان يعتبر أكثر المعابد مناسبة لملاذ الرهبان البوذيين المرتحلين القادمين من كل بقاع العالم ناشدين الخلوة والسكون لممارسة عقائدهم وطقوسهم الدينية.

ولا أخفى عليك الرعب الذى شعرنا به ونحن فى طريقنا لهذا المعبد، فالطريق شديد الضيق يحاصرنا من جهة اليمين الجبال الصخرية، ومن اليسار هوة سحيقة، مما يعنى لو أن السائق تحرك بالسيارة لـ 15 سم فقط لليسار لأصبحنا فى خبر كان.

بعد نحو ساعة تقريباً وصلنا إلى المعبد، قابلنا الراهب البوذى بلباسه الرمادى وابتسامة عريضة على وجهه، وبالرغم من عدم معرفته باللغة الإنجليزية إلا أن ملامح وجهه تعبر عن ترحابه الشديد بنا، ثم بدأ يحدثنا عن الديانة البوذية، ويقودنا من مكان لآخر داخل أروقة المعبد شارحاً وموضحاً تاريخ هذا الصرح الدينى العريق. أضاءنا الشموع وسرنا فى حلقة دائرية حول تمثال بوذا الموجود بالساحة الخارجية للمعبد متمنين أمنيات جميلة للأشخاص الذى نحبهم. ثم انتقلنا إلى الساحة الداخلية للمعبد حيث يوجد تمثال بوذا فى الوسط بلونه الذهبى والتنين المزدان بألوان جميلة مثل الأحمر والأصفر والأزرق، كما تزين جدران المعبد لوحات زيتيه تصور مشاهد من حياة بوذا، وبجانب المعبد يوجد كوخ صغير، وقد بنى هذا الكوخ خصيصاً للأشباح التى تهيم حول المعبد لحراسته وحمايته من الأرواح الشريرة.

أما الخبرة الأكثر استمتاعاً ولن تمحى من الذاكرة، فهى جلسة التأمل التى مارسنها. فقد جلسنا متقابلين نساء ورجالاً أمام طاولة كبيرة، وأمام كل واحد منا "صحن" مقعر على شكل نصف كرة وفنجان صغير به بضع حبات من الشاى الأخضر، وترموس به ماء ساخن جداً.

بناء على تعليمات الراهب البوذى وضعنا حبات الشاى فى أيدينا ثم ألقيناها فى الصحن المقعر بطريقة تجعلها تصدر صوتاً أثناء ارتطام حبات الشاى بقاع الصحن، ويعد سماع هذا الصوت شرطاً ضرورياً، ثم قمنا بسكب الماء الساخن فى الصحن المقعر ونحن نستمع فى انتباه شديد للصوت الذى يصدره الماء فى الصحن، بعد ذلك وضعنا وجهنا على حافة سطح الصحن، بحيث أصبح الوجه كاملاً يغطى صفحة الصحن، مع مراعاة أن يكون موازياً لمكان القلب، ثم وضعنا فوطة بيضاء لتغطى رؤوسنا بشكل كامل، وظل البخار يتصاعد على وجهنا مباشرة، بقينا فى هذا الوضع لمدة 15 دقيقة.

طلب منا الراهب منا ونحن فى هذا الوضع المسالم ورائحة الشاى اللذيذة، أن نحاول استدعاء ذكرى أمهاتنا، وأن نتلمس السكينة لبضع دقائق، بعد انتهاء هذه الجلسة البخارية، طلب منا الراهب أن نرفع رؤوسنا وأن نمد أيدينا أمام صدورنا ثم نقبضها ونبسها مائة مرة وبسرعة شديدة، وأخيراً طلب منا أن نستنشق نفساً عميقاً ونخرجه بهدوء، دامت هذه العملية نحو 15 دقيقة. ثم سألنا الراهب عن شعورنا، ولا أخفى عليك، فقد شعرت براحة كبيرة بعد تلك الليلة التى قضيتها فى المعبد، خاصة أننى كنت أول امرأة عربية تبيت فى معبد بوذى.

فى اليوم التالى، انطلقنا إلى مدينة أنشون وهى مدينة صغيرة، تم التخطيط لها لكى تكون من أكبر المدن الصناعية فى العالم، وتعرفنا على أهم الإنجازات التى تمت بها والمشاريع التى بصدد الانتهاء منها باليوم والشهر والسنة، الأمر الذى يؤكد الدقة والدأب والتفانى فى التخطيط والعمل، وتجولنا فى أكبر مدرسة عالمية فيها وفى كوريا الجنوبية والمتوقع افتتاحها فى شهر سبتمبر 2009، وتعرفنا على الإمكانيات الرهيبة التى ستوفرها هذه المدرسة لطلابها من مناهج مصممة خصيصاً لإعداد القادة فى المجتمع، والملاعب والمسرح والفصول المجهزة بأحدث الأدوات والإمكانيات، والأجهزة الإلكترونية التى لم نرها بعد فى دولنا العربية، لا أستطيع أن أصف لك الحسرة والألم الذى شعرت بهما فى قلبى لما وصل إليه حال التعليم البائس عندنا.

فى مساء هذه اليوم أقيم حفل الختام فى فندق جراند حياة فى مدينة سيول، الذى افتتح بعرض موسيقى وغنائى لفريق من الأطفال الكوريين من ذوى الاحتياجات الخاصة، ثم ألقى سانج كى لى كلمته وعبر عن سعادته بنجاح هذا المنتدى، وشكره لكل من حضر وشارك فى فعالياته. كما ألقى بعض من الأعضاء الرئيسيين فى الجمعية كلماتهم، ثم تقدم كل واحد من المشاركين من باب تدعيم التواصل الإنسانى والاجتماعى الجميل، بإلقاء شعر أو غناء أغنية بلغة بلده، فكانت لى هذه الليلة هى الأكثر إمتاعاً، حيث استمعنا إلى إيقاعات موسيقية وأغنيات من فيتنام وكوريا الجنوبية ومنغوليا وبوتان وكمبوديا وغيرها، شدا بها الصحفيون والباحثون المشاركون فى المنتدى.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة