-"آلو يا زينة يا حبيبتى إزيك .. إيه أخبارك؟
-"أهلين يا ناهد الحمد لله، ماشى الحال".
-"أخبار ماما فى غزة اطمنتى؟".
-" ماشى الحال يا ناهد والله ما بعرف".
-"طيب زينة عايزة أعمل معاكى حوار للجريدة..أنا".
-"لا ..لا .. يا ناهد مابدى أتكلم، ما فيش كلام، خلاص عن جد.. خلاص.. شكرا، سلام"!
هكذا أغلقت فى وجهى صديقتى د. زينات أبو شاويش سماعة التليفون لأول مرة منذ أن عرفتها منذ ما يقرب من 8 سنوات، لأول مرة أحادثها وترد علىّ بكلمات مقتضبة، غاضبة.. فى يوليو من العام الماضى 2008 حصلت زينات وهى باحثة إعلامية فلسطينية على درجة الدكتوراه من معهد البحوث والدراسات العربية بالقاهرة بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى، على إنتاجها نماذج فكرية إعلامية لخدمة قضايا الصراع العربى الإسرائيلى، والتوصية بطباعتها وترجمتها وتداولها مع الجامعات والمؤسسات المعنية بشئون قضايا الصراع العربى الإسرائيلى، وقضايا اللاجئين الفلسطينيين.
قدمت زينات رسالتها فى موضوع دور وسائل وأساليب الاتصال فى تشكيل اتجاهات اللاجئين الفلسطينيين نحو قضايا الصراع العربى الإسرائيلى فى دراسة تحليلية وميدانية شملت عينة من الصحف اليومية الفلسطينية، إحداها تابعة لفتح "الأيام" والأخرى تابعة لحماس "فلسطين".
وكان من أهم نتائج هذه الدراسة التحليلية أن الصحف الفلسطينية ساهمت بشكل أو بآخر فى شق الصف الفلسطينى، بل إن هذه الصحف لم تكن حارسا أمينا على الحلم الوطنى الفلسطينى بما يخدم أهدافه التحررية والوطنية فى الفترة الزمنية محل البحث!
كنت معها قبل إعداد الرسالة ووقتها وبعدها فى حفل المناقشة، وعلى الرغم من إشادة د.منى الحديدى رئيسة قسم الدراسات الإعلامية بالمعهد قائلة: إن هذه الرسالة تعد علامة متميزة فى الحقل الإعلامى العربى، وأننا الآن أمام باحثة موهوبة ننتظر منها الكثير للأمة العربية وليس لفلسطين فقط".
وإضافة الدكتورة راجية قنديل المشرفة على الرسالة إشادة أخرى بشخصية زينات ابو شاويش فوصفتها بالجادة الموهوبة والمتميزة، قائلة عنها: "نستطيع الآن أن نقول إننا أمام باحثة تمثل كل الشعب الفلسطينى وتدافع عنه بشكل علمى وأكاديمى يثير دهشة وإعجاب كل من يطالع أعمالها وأبحاثه"، مشيرة إلى أن للباحثة العديد من الأبحاث والإسهامات الفكرية الأخرى، على الرغم من أجواء الفرح والفخر هذه، إلا أن الحضور جميعاً فوجئ ببكاء شديد انخرطت فيه د. زينات!!
دموع زينات الغزاوية الباحثة الإعلامية كانت دموع امرأة لاجئة لا يعنيها كثيراً أن تحتفل بها الدنيا وأرضها محتلة وأمها هناك مغيبة فى سجن غزة الكبير لا تعرف عنها سوى الصوت الذى كانت تتصنعه دوما حتى تخفى عن ابنتها وجعها.
بكت د. زينات فلسطين على الرغم من أنها دوماً متفائلة لا تسمع على لسانها سوى عبارة "فلسطين ما بتهون ولا بتموت"، بكت زينات لأنها كانت ربما تخشى أن يظل ما انتجته وأضافته للمكتبة العربية والعالمية الفكرية والإعلامية مجرد حبر على ورق كتبته بدموعها أيضاً وغربتها وشتاتها، بكت لأنها تعلم أن لون الدم أقوى وأن الشتات وغباوات الفرقة والانقسام ما زال قابعاً فى العقول الفلسطينية والعربية، ومن هنا تنتصر إسرائيل المحتلة. وعلى هذا تراهن أن تغدو "ليفنى" هانم حارسة الحلم العربى من مخاطر حماس والإخوان "يا قلبى"، وأن يصبح صدر أولمرت أحن علينا من كل الصدور العارية التى ما زالت تقاوم رغم اختراقات الرصاصات والصواريخ، يدك الصهاينة أرضنا ولحمنا وكرامتنا ونتفرغ نحن لتصفية الحسابات، وتسجيل المواقف، وإزاحة الخطأ.. وتبرئة الساحة وتحميل المسئولية.. والـ "كل" مسئول.
صُحْبتى لزينات لم تكن مجرد صحبة عادية، ولا أبالغ إذا قلت إننى كنت أصاحب غزة أو أن قضية فلسطينية تمشى على قدمين، استفدت كثيراً وفهمت كثيراً عن طبيعة الأوضاع فى هذا المجتمع، نشأة الحركات والفصائل وتاريخها، حتى مواقفها لم تكن تمر فى تحليلها بسطحية أو تحيز – لا حمساوى ولا فتحاوى - فعندما نحتار كانت كثيراً ما تقول لى: "طيب إيش رأيك تعالى نروح لعمو عبد القادر.. تقصد المفكر القدير عبد القادر ياسين – الذى كان يحتفى كثيراً بفكرها المستنير الموضوعى".
دراسة أبو شاويش ركزت على دور وسائل الإعلام الفلسطينية فى تزكية الانقسامات الداخلية وتكريس الفصائلية، والنتائج التى توصلت إليها كانت كارثية ومفزعة، تحتاج إلى كتيبة أطباء نفس واجتماع وسياسة؛ لتحليلها وعلاج أصحابها، فما الرأى فى إعلام عربى يشارك فى الجريمة نفسها؟!
هل نحن أغبياء؟!
ربما!!
عموماً لا تبكى يا صديقتى، فلنا نحن البكاء، وارفضى الكلام، من حقك كل شئ.. فقد صرخت ولسنوات بقلمك وعلمك وأبحاثك وأنت الشابة بعقل الجدة الحكيمة، صبرت سنوات كطبيعة أرضك الصابرة.. أما نحن فمن الأكرم لنا أن ندعو الله أن يرزق أقلامنا العاجزة كإراداتنا.. الشهادة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة