ولد المشير عبدالله بن يحيى السلال عام 1919م فى قرية شعسان ناحية سنحان، ونشأ فى كنف والدته التى رعته مع إخوته بعد وفاة والده وهم فى سن الطفولة.. وتلقى دراسته الأولية فى مكتب الأيتام بصنعاء التى انتقل إليها مع أسرته، واستمر فى الدراسة بالمكتب لمدة سبع سنوات.. ثم انتقل مع زملائه للدراسة بالمدرسة العالية الثانوية بالحديدة لمدة ثلاث سنوات.
وبعد حرب 1934م بين اليمن والسعودية سافر مع تسعة من زملائه إلى العراق للدراسة العسكرية المتخصصة، وكان لهذه البعثة تأثيرها الإيجابى المباشر عليه وعلى زملائه حيث أدركوا مدى ما تعانيه بلادهم من تخلف وتردٍ فى مختلف المجالات مقارنة بالدول الأخرى، وأدركوا مبكراً أن السياسات الإمامية هى السبب فى هذا الوضع المأساوى الذى يعيشه اليمنيون.. وعلى مدى عامين ونصف هى مدة الدراسة اكتسب الطلاب العسكريون المزيد من الوعى والتصميم على ضرورة التغيير فى بلادهم البائسة، وانضم معظمهم بعد عودتهم إلى حركة الأحرار اليمنيين وساهموا في مسيرة العمل الوطنى منذ وقت مبكر.
هكذا بدأت علاقة المشير عبدالله السلال بالعمل الوطنى فكان أحد القادة العسكريين لثورة فبراير 48 التى أطاحت بالإمام يحيى حميد الدين، وبسبب فشل الثورة تم إعدام الكثير من قادتها واعتقال بقيتهم ومن بينهم عبدالله السلال الذى قضى فى سجن حجة سبع سنوات تعرض خلالها أكثر من مرة لخطر الإعدام.. وبعد خروجه من السجن إثر فشل حركة 1955م تعين فى عدة مواقع آخرها قائداً لحرس ولى العهد محمد البدر، فيما واصل نشاطه السرى مع من تبقى من الرعيل الأول لحركة الأحرار للتشاور حول إمكانية تغيير الأوضاع.. وكان ذلك كله سبباً فى أن يقع عليه اختيار حركة الضباط الأحرار لقيادة ثورة 26 سبتمبر ورئاسة مجلس قيادتها، وهكذا سجل التاريخ اسم عبدالله السلال كقائد لأهم حركة تغيير فى تاريخ اليمن منذ مئات السنين، وأول رئيس للنظام الجمهورى الذى قفز باليمن ألف عام على حد تعبيره رحمه الله.
ومنذ اللحظات الأولى لتسلمه مسئولية القيادة والدفاع عن الثورة أثبت المشير السلال قدرة فائقة على الصمود والتفانى فى حماية النظام الجمهورى رغم دقة الموقف وصعوبته.. وكان للدعم الذى قدمته مصر أكبر الأثر فى رسوخ النظام الجمهورى وصموده فى مواجهة الهجمات الشرسة التى كانت تقوم بها فلول النظام الإمامى.. إلا أن الدور السياسى المصرى على الساحة الداخلية اليمنية تسبب فى إحداث شروخ وانشقاقات فى الصف الجمهورى بدأت باستقالة الزبيرى والقاضى الإريانى والنعمان نهاية عام 1964 وتصاعد الخلاف مع المشير السلال إلى درجة جعلت الرئيس الراحل جمال عبدالناصر يستدعيه إلى القاهرة ويطلب منه البقاء فيها ومراقبة الوضع فى اليمن وإمكانية إحلال السلم ووقف الحرب الأهلية..
لكن العام الذى قضاه السلال فى القاهرة لم يسفر عن نجاح محاولات الاتفاق بين الجمهوريين والملكيين وكذلك بين مصر والسعودية، فعاد إلى صنعاء خلال النصف الثانى من عام 1966م لتحمل مسئولياته من جديد كرئيس للجمهورية فيما غادرها الكثير من القادة الجمهوريين إلى القاهرة للتفاهم مع عبدالناصر وإبلاغه احتجاجهم على عودة السلال، لكن الحكومة المصرية احتجزتهم جميعاً فى القاهرة ما بين الإقامة الجبرية والاعتقال حتى حدوث هزيمة يونيو 67 التى جعلت عبدالناصر يفكر جدياً فى سحب قواته من اليمن، وبمجرد اتفاقه مع الملك فيصل خلال قمة الخرطوم على إحلال السلام فى اليمن تم إطلاق القادة المحتجزين وسحب القوات المصرية..
وبمجرد عودة أولئك القادة قرر المشير السلال القيام بجولة خارجية يرجح أنها كانت غطاء لرغبته فى الابتعاد عن السلطة وإعطاء زملائه فرصة للتغيير بطريقة سلمية، وهكذا حدثت حركة نوفمبر 67 التى أطاحت به، ومن حينها قرر الإقامة فى القاهرة حتى وجه له الرئيس على عبدالله صالح الدعوة للعودة إلى وطنه فى 1981 حيث عاد على الفور واستقر فى صنعاء حتى وفاته فى مارس 1994.
المشير عبد الله السلال.. رحلة ثورة من اليمن للقاهرة.. وبالعكس!
الإثنين، 08 سبتمبر 2008 03:13 ص