عرف الإنسان المصرى، منذ عصور صناعة الفخار وكانت نقطة تحول فى حياته حيث مكنته من حفظ الكثير من احتياجاته فضلاً عن طهو وحفظ الطعام.
يقول عن هذه المهنة الأثرى والباحث فرنسيس أمين إن صناعة الفخار لدى الإنسان المصرى القديم لم تكن متقنة. لكن سرعان ما تطورت أشكالها وأحجامها، مشيراً إلى استخدام نوعين من الطمى فى تلك الصناعة إحداهما يميل إلى اللون البنى أو الأسود، ويتحول هذا النوع إلى اللون البنى الداكن عندما يجف والثانى هو اللون البنى الرمادى الذى يصير رمادياً عندما يجف.
ولا يرى أمين أن هناك اختلافاً بين ما اتبعه المصرى القديم وما يقوم به الأحفاد فى طريقة صناعة الأوانى الفخارية، مؤكداً أنه كان قديما يتم تحضير الطمى وعجنه حتى يتماسك، ثم يأتى دور تشكيل الآنية الذى كان يتم فى القدم يدوياً.
أما فى عصر الأسرة الأولى من تاريخ مصر الفرعونى فقد توصل الصانع إلى "العجلة" التى يشكل عليها هذه الأوانى وهى موجودة حتى وقتنا الحالى على شكل قطعة مستديرة من الخشب يديرها الصانع بقدميه، بينما يشكل بيده قطعة الطمى وتسمى (الدولاب).
ويضيف الباحث الأثرى، أن هذا الشكل احتفظت به مقبرة الملكة (تى) فى منطقة سقارة من عصر الأسرة الخامسة.
ويعود بنا فرنسيس إلى طريقة الصنع قائلاً الآنية كانت تترك لتجف قبل أن يتم حرقها كما كانت توضع الأوانى الطميية مختلطة بقطع الوقود على سطح الأرض حتى يتم حرقها وكان الوقود يتكون من التبن وروث البهائم المخلوط بالتبن والحشائش أو البوص، إلا أنه فى عصر الأسرة الخامسة فصل المصرى القديم فى حرقه الأوانى وبين قطع الوقود.
أما بالنسبة للألوان فهى على حد قوله كانت ألوان الأوانى الفخارية تتغير تبعاً لنوع الطين المستعمل وما يدخل فيه من أكاسيد معدنية ومواد عضوية، وكذلك تبعاً لطريقة الحرق وتنظيمها فقد كانت الألوان الأسود والأحمر والبنى والرمادى، ولم ينس المصرى القديم أن يعطى الآنية الفخارية بريقاً فقد أستطاع قبل أن تجف نهائياً وقبل حرقها أن يصقل سطحها الخشن إلى سطح أملس ناعم كما كان يزين آنيته، خاصة فى عصر ما قبل الأسرات بأشكال مختلفة لبعض الحيوانات أو القوارب أو الطيور ويملأ ذلك بمادة بيضاء، حيث تظهر على سطح الآنية وبعد ذلك أستعمل اللون الأزرق أو الأحمر أو الأسود أو الأصفر.
ويواصل الآن الأحفاد تمسكهم بمهنة الأجداد التى لم يعرفوا غيرها منذ نعومة أظافرهم، فتقول الحاجة (هريدية شمندى إسماعيل) من الشيخ على التابع لمحافظة قنا وتبعد عن الأقصر بحوالى 30 كيلو متراً التى يقول أهلها، إنها كانت تسمى "مدينة يميس" فى عصر الفراعنة، أنها لا تعرف غير هذه المهنة فقد جاوزت الثما نين عاما بعامين ولم تشاهد أحداً من قريتها أو أسرتها يعمل فى غير هذه المهنة وتحكى هريدية وهى ممسكة بقطعة "البرام" التى تقوم بتنظيفها أنظر إلى يدى كم هى مجهدة من العمل، فنحن لم نتعلم ولم نعرف غيرها حتى الأحفاد الذين تجاوزوا 40 حفيداً لا يعلمون إلا فى هذه المهنة، وتؤكد أنها تخصصات فكل قرية من القرى المجاورة تخصصت فى صنع نوع (فقرية المحروسة) لا تعمل إلا فى القلل والبلاليص (ودندرة) تصنع "البرام"، وكذلك حجازة (وقرية الفاخورة) تصنع "الأزيار" ونحن هنا فى (نجع الشيخ على) بكل منازله وعائلاته نعمل فى صناعة "البرام".
ورغم تعبها وعائدها البسيط سألتها عن أسرار هذه المهنة وطريق صنع "البرام" فأجابت بفطرتها لا أعلم غير أننا لا نستخدم فى صناعة "البرام" غير الحصى "الطمى" من الترعة ومادة أخرى تسمى "البرام" تأتينا من مدينة القصير بالبحر الأحمر وأحياناً أخرى نستخدم رماد الفرن من قلة الخامات الذى نسميه "الملا" فهو يستعمل فى صناعة "الأزيار" فقط، ولكن فى صناعة "البرام" فإن أفضل خامة هى الحصى الأسود.
أما أحمد عبد الحليم بائع الفخار "البرام" يقول: رغم عزوف الكثير من السيدات عن استخدامها فى المنازل، إلا أنها أوانٍ جيدة لا تنتج أى صدأ على الطعام أثناء طهيه كما تحتفظ بدرجة حرارة الطعام داخلها، مشيراً إلى أن السيدات يقمن فى المنازل بتعتيق الآنية قبل استخدامها بدهنها بالعسل الأسود ثم وضعها فى الفرن، ثم يقمن بتنظيفها وحكها جيدا، ثم دهنها بالزيت ووضعها فى الفرن مرة أخرى حتى تستخدمها فى الطعام وتكون قد أخذت اللون الأسود.
بدأها الأجداد وخلدها الأحفاد:
قرى بالأقصر لا تعرف مهنة سوى "الفخار"
السبت، 20 سبتمبر 2008 11:40 ص