د. حمادة حسنى يكتب: ناصر.. الوجه الآخر(2)

الثلاثاء، 16 سبتمبر 2008 05:26 م
د. حمادة حسنى يكتب: ناصر.. الوجه الآخر(2) د. حمادة حسنى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قبل مواصلة التعليق على مسلسل ناصر، نتوقف قليلاً مع أحاديث صحفية لمؤلف المسلسل يسرى الجندى، فيذكر عن سبب منع عرض مسلسله بالتليفزيون، "المسألة واضحة كالشمس، فمجرد استحضار روح عبد الناصر وفترة حكمه التاريخية مبعث قلق للنظام، حيث توضع فترة عبد الناصر من حيث التعامل مع الهيمنة الأمريكية والصهيونية على المنطقة وسياق التعامل معها ككرامة لمصر والدور المصرى، مع هذه الصورة مع حالة التردى فى مصر والعالم العربى كله الآن، ليظهر التناقض بين فترة عبد الناصر وما نعيشه"، جريدة صوت الأمة 14-9-2008.
والواقع أن هذا الكلام يتعارض مع ذاكرة المؤلف نفسه فى حديث آخر "من أنه يتعامل مع تاريخ وليس أهواء"، وبالنسبة لحكاية الهيمنة الأمريكية والصهيونية فهى الكشيهات جاهزة عند فلول اليسار المعشعشين فى وسائل الإعلام.

عبد الناصر هو السبب الأساسى فى حدوث الهيمنة الأمريكية والصهيونية على المنطقة، فحكمه تميز بغياب مقومات الدولة المدنية وعلى رأسها احترام القانون واحترام حقوق الإنسان، فالاعتقالات العشوائية كانت تقوم على الشبهة وتقارير أعضاء التنظيم الطليعى 00 وكذلك المحاكمات الصورية وتحويل نصف المجتمع جاسوساً على النصف الآخر، الأمر الذى أشاع الخوف فى قلوب الشعب ومثقفيه، هذا بالإضافة إلى عمليات التعذيب الجماعية التى تعرض لها سجناء الرأى والتى لم تعرفها معسكرات النازى.

عبد الناصر مسئول عن كل ما جرى من انتهاك حقوق الإنسان والزج بعلماء مصر ومفكريها فى السجون، وتسليط زبانيته عليهم، وهى مسئولية يتحملها أمام الله والتاريخ، فالنظم الديكتاتورية ليست نظما وطنية بأى حال من الأحوال. وفى كل عصور الانحطاط التى مرت بها البشرية شهد الإنسان ألواناً من التعذيب والاضطهاد لأسباب دينية أو سياسية أو اجتماعية أو فكرية، ولكنه لم يشهد أبداً تعذيباً بدون سبب إلا لشهوة التعذيب إلا فى عصر عبد الناصر، وكل ذلك وصمة عار لعبد الناصر وعصره، فقد كانت الجريمة لا تستهدف فقط من هم خلف الجدران لكنه الإنسان فى مصر.

فلم يقتصر الأمر على هذه المظالم، والتى هى فى تقديرنا سبب الهيمنة التى يتحدث عنها المؤلف، فحكم عبد الناصر بالجملة كان كارثة على مصر وعلى جميع القضايا القومية التى تناولها، فقد تناول قضية وحدة وادى النيل وانتهت بانفصال السودان عن مصر، والملك فاروق حافظ تماماً على وحدة مصر والسودان، بل إن النحاس باشا كان يعلن فى وجه الإنجليز "تقطع يدى ولا تفصل مصر عن السودان"، وتناول عبد الناصر قضية الوحدة المصرية السورية فانتهت بانفصال سوريا عن مصر، وتدخل فى اليمن فسجن الثوار اليمنيين فى السجن الحربى بالقاهرة وتسبب فى قتل 200 ألف يمنى و5000 جندى مصرى، وتناول قضية تأميم شركة قناة السويس فانتهت باحتلال إسرائيل سيناء وخروجها منها بثمن باهظ، هو فتح خليج العقبة للملاحة الإسرائيلية.

تناول القضية الفلسطينية عندما كانت إسرائيل تحتل نصف فلسطين فانتهت باحتلال إسرئيل النصف الآخر من فلسطين ومعه غزة والجولان وجنوب لبنان وسيناء، ومات عشرون ألف جندى مصرى، ولولا حرب أكتوبر ومبادرة السلام التى قام بها الرئيس السادات لكانت سيناء محتلة حتى اليوم، ولكن بفضل جهاز الدعاية الناصرى تحولت كل هذه الهزائم إلى انتصارات، وقد كانت هذه الانتصارات الموهومة هى التى يرتكز عليها المؤلف، وباقى فلول اليسار، حتى بعد أن عرف الشعب المصرى والعربى حقيقتها وأصبح يدفع ثمنها غالياً.

فى حديث آخر للمؤلف بجريدة العربى 14/9/2008، قال أيضاً إن سبب منع عرض مسلسله بالتليفزيون الأرضى "حتى لا يصل صوته إلى الفلاحين البسطاء الذى جاء ناصر من أجلهم"، ونحن نحمد الله على ذلك، ونؤكد للمؤلف سبق أن وصل صوته وزبانيته وجلاديه إلى آبائهم فى قرى كمشيش وكرداسة وسنفا والعديد من القرى الأخرى، وأن البسطاء الذى جاء من أجلهم أخذوا ما يكفيهم من مكاسب ثورية على يد شمس بدران فى السجن الحربى، ومن ناحية أخرى نؤكد أن ما قدمته الثورة للفلاحين ليس كما يتصور المؤلف، فجميع الأراضى الزراعية قبل الثورة كانت تقترب من 6 ملايين فدان، تم توزيع 422 ألف فدان فقط على الفلاحين، فيما عرف باسم الإصلاح الزراعى وأن وسائل الإعلام عملت على تضليل الشعب، وكأن الفلاحين لم يكن أحد منهم يمتلك شيئا قبل الثورة، وأن عبد الوهاب كان يغنى "محلاها عيشة الفلاح متهنى وقلب مرتاح" لفلاحى بوركينا فاسو.

نعود إلى المسلسل مرة أخرى، فالحلقة الثامنة من المسلسل والتى غطت الفترة من 1944 حتى بداية 1948، أغفلت تماماً علاقة ضباط الجيش بالإخوان، وكيف أن التنظيم الأول للضباط نشأ فى حضن الإخوان – وهذا يحسب عليهم وليس لهم - وأقسم أعضاؤه على المصحف والمسدس ومنهم جمال عبد الناصر وكمال الدين حسين وخالد محى الدين .... وغيرهم، وقد ظلت هناك علاقة تنظيمية وثيقة استمرت فى الفترة من 1944 حتى مايو 1948، وقد أكد ذلك كل من خالد محى الدين فى مذكراته وجمال حماد وحسين حمودة وغيرهم من الضباط الأحرار.

وبعد عودة الجيش المصرى من حرب فلسطين ومقتل حسن البنا عمل عبد الناصر على الانفراد بتنظيم الضباط الأحرار والتخلص من الضباط المعروفين بولائهم للإخوان، وخاصة البكباشى عبد المنعم عبد الرءوف وتغاضى عن ضباط آخرين مرتبطين بالتنظيمات الشيوعية، مثل خالد محى الدين وأحمد حمروش ..بل وضم شيوعيا آخر فيما بعد لمجلس قيادة الثورة وهو البكباشى يوسف صديق، وبعد وصول ناصر للسلطة تخلص من زملائه غير المرتبطين بالإخوان، واستعان بعناصر سيئة السمعة كانوا، وهو قائدهم، سبب كل الكوارث التى حلت بمصر.

وفى الحلقة الثالثة عشرة، تناولت إلغاء معاهدة 1936 وبداية الكفاح المسلح فى القناة، وقد تعمد مؤلف المسلسل إغفال دور الوفد والإخوان فى مقاومة الإنجليز، بل عمد إلى تشويه هذا الدور, ففؤاد سراج الدين وزير الداخلية أمر قواته بالمقاومة حتى آخر رصاصة .. وأن الدكتور عزيز فهمى فتى الوفد الذهبى والمعجون بحب مصر قاد إحدى كتائب المقاومة، وتناول المسلسل أيضاً مقابلة جرت بين عبد الناصر والشيخ محمد فرغلى مسئول الإخوان بمنطقة القناة، جاء فيها على لسان فرغلى أن الإخوان غير مسئولين عن تصرفات النحاس وماترتب عليها.

فالواقع أنه بعد إلغاء المعاهدة اتجهت أنظار الجميع إلى الإخوان نظراً لشعبيتهم ودورهم السابق فى حرب فلسطين، ولكن الإخوان لم ينسوا بعد ما حدث لهم بسبب اشتراكهم بصورة علنية سافرة فى حرب فلسطين، وأن حل جماعتهم وقتل مرشدهم يرجع لدورهم فى حرب فلسطين، ولذلك تعمدوا عدم الإعلان عن اشتراكهم فى مقاومة الإنجليز بالقناة، وتعمد قادتهم عدم لفت الأنظار إليهم، ولم يدرك مؤلف المسلسل هذه الخلفية ولا غيرها، ولم يرجع لكتابات المؤرخ المحترم طارق البشرى، والمؤرخ الأشهر عبد الرحمن الرافعى، وغيرهم، وهى كتابات تناولت بالتفصيل دور الإخوان فى مقاومة الإنجليز فى القناة، بل رجع المؤلف كما صرح لكتاب واحد يتيم ورسالة هدى عبد الناصر .. وكان المسئول الأول عن هذا الدور الشيخ محمد فرغلى، بل إن الإنجليز أعلنوا عام 1951 عن مكافأة مقدارها 5 آلاف جنيه لمن يأتى برأسه حياً أو ميتاً، ولكن عبد الناصر قدم رأسه عام 1954، وما ندرى ما هو الثمن، فبعد إلغاء المعاهدة عقد الإخوان مؤتمراً حاشداً أصدروا خمسة قرارات تعلن أن العودة إلى المفاوضات تعد جريمة، وتدعوا لتحريم التعاون مع الإنجليز وإعلان الجهاد فى منطقة القناة، وتطالب بإلغاء القوانين المقيدة للحريات وبطرد الحاكم العام الإنجليزى من السودان.

وصرح الهضيبى فى صحيفة المصرى 2 يناير 1952 "أن الإخوان لم يتكلموا إلا إذا شاءوا ويحبون أن يؤدوا واجبهم فى صمت"، "فيذكر الأستاذ طارق البشرى فى كتابه الهام (الحركة السياسية فى مصر 1945-1952) ص66"00 "كان شباب الإخوان ومعسكر الجامعة الذى قاده حسن دوح أهم فيالق الكفاح المسلح فى القناة فى 1951" وأثبت ذلك أن "يوم" الكفاح المسلح هو "يوم الإخوان"، خاصة وكما يذكر المؤرخ البريطانى ريتشارد ميتشل أن الإخوان أعلنوا رسمياً فى 17 أكتوبر 1951 الجهاد فى منطقة القناة. فسياسة الهضيبى لم تكن ضد الشعور الوطنى السائد، ولكنه استحسن أن تنبعث كتائب التحرير الإخوانية سنة 1951 من ساحة جامعة القاهرة وليس من المركز للإخوان، حتى يكون نشاطهم باسم مصر كلها.

بل إن الإخوان أول من خاضوا معارك مفتوحة مع الإنجليز فى التل الكبير يومى 11و12 يناير 1952، ونسفوا قضبان السكك الحديدية قبل وصول قطار الجند والذخيرة إلى معسكر التل الكبير، وتصدوا مع رجال البوليس لبعض القوات البريطانية، وسقط قتلى من الجانبين كان فيهم أشهر شهداء معارك القناة أحمد المنيسى وعمر شاهين، والأول والده ناظر مدرسة وأقيمت له جنازة مهيبة فى بلدته فاقوس، والثانى نجل الدكتور محمد زكى شاهين وشيعت جنازته، كما يقول المؤرخ عبد الرحمن الرافعى، يوم 14يناير 1952 فى احتفال مهيب من جامعة فؤاد وسار فيه مائة ألف شخص وفيهم أساتذة الجامعة وعمداء الكليات وفى مقدمتهم مدير جامعة فؤاد الدكتور عبد الوهاب مورو والمستشار حسن الهضيبى، والاثنان كانا يرتديان زياً "كاكى" كرمز للمقاومة، واشترك الاثنان فى حمل النعش.

ناصر.. الوجه الآخر 1
ناصر .. الوجه الآخر(3)
وللحديث بقية





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة