محمود البرغوثى

المشروعات الخاصة و"أمنا الغولة"

الأربعاء، 23 يوليو 2008 01:23 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا تبتئس، فأنت فى دولة تعظم فرص الاستثمار، لكن ليس لأبنائها. فلكى تنجح فى مصر، يجب أن تجمد كل مقومات الشرف والأمانة والنزاهة، وأن ترفع ضميرك عند أقرب ميكانيكى، حتى لا يصدأ إذا احتجته يوما ما.

ولكى تكسب، يجب أن تغش فى الأكل الذى تبيعه، أو تنصب فى الخدمة التى تقدمها، وإذا كنت عائدا من "بلاد بره"، وستحاول أن تطبق الأسلوب الحضارى، فـ "طز فى التحضر"، لأنه لن يصدقك أحد. فكر مرة فى تأسيس مشروع تجارى، وسجل فى أجندتك الخاصة عدد المشاوير التى ستقطعها، فى ظل دولة تفتخر بحكومة ذكية، ساهمت فى تطوير الخدمات الإلكترونية فى مصر.

يا ويلك، فلابد من الاستعانة بمحام يحيل لك الحياة سوداء، أو حارة سد لا "خرم" فيها للنجاة، وتكاد تفشل فى الحصول على موظف فى جهة حكومية، سواء "الحى"، أو "الضرائب" بأنواعها، أو "الصحة" وحتى "مكتب العمل"، والتأمينات الاجتماعية، لن تجد فى كل هذه الجهات موظفا ينجز لك عملك، دون أن يبحث فى عيونك أو ينخل روحك للحصول على لقمة حرام، "لازم تدفع".

ما نويت الحديث عنه، أنه يا ويلك إذا تجاسرت وأسست مشروعا تجاريا خاصا، فى أى اتجاه أو أى تخصص، (مطعم، مكتب إعلانات، معهد تدريب، استصلاح أراض، حتى محل للحلاقة، أو عربية فول، أو بسطة لبيع الخضار). قد تنجح بفعل كرامات المحامى، أو سمسار الشارع الذى تضع فيه بسطة الخضار، بعد ما تكره حياتك، وينطلق مشروعك.

ولأن وزير المالية لا يعترف بالخسارة، فسوف تتعرض لحملته الإعلانية "الضرائب لمصلحتك أولا"، وهى حملة تستعير ثقافة " أمنا الغولة"، التى تقض مضجع كل من تجاسر وامتلك بطاقة ضريبية، لأنها مرعبة، تهدد بقطع الرقاب والسحل والسجن، إذا تلاعبت فى فواتير محل الحلاقة، أو إذا فشلت فى تسجيل مصاريف مطعم يستهلك مئات البنود المشتراه من سوق الخضار والبائعين الجائلين، لازم تحتفظ بفواتير البصل والكرات المصرى، والبهارات.

ولأن وزير المالية ابن ناس، فهو يفترض أن أصحاب مطاعم الفول والطعمية يشترون موادهم من متاجر الصفوة، التى تحرر فواتير لأكياس الملح والـ "رابسو"، لأنها مملوكة لأصدقائه النظاميين جدا. ولا مجال لتهرب الحلاق ضريبيا، لأنه أيضا يشترى الأمواس من "المحمل"، وبائعة الجرجير على ناصية شارعنا لن تستثنى لو طلعت عيناها، لأن جرجيرها يجب أن تجلبه من مزارع "الكبار"، التى لا تهمل إصدار فواتير لكل حزمة جرجير تخرج منها.

جرب مرة "بعد ما تفلس"، أن تعود للمحامى نفسه الذى ساعدك على امتلاك البطاقة الضريبية، واطلب منه المضى فى إجراءات إغلاق مشروعك، فإذا لم تجده مرفوعا من الخدمة، بسبب الإفلاس أيضا، سيفاجئك بأن "دخول الحمام ليس مثل الخروج منه".

والله لو حلفت على كل الكتب السماوية بأنك خسران، فلن يسمعك أحد، يجب أن تستسلم لمأمور الحساب "الضرائب العامة"، وتسلم تقارير "ضرائب المبيعات" حتى بعد شطب سجلك التجارى بعامين، لأنه لا يجوز إلغاء تسجيلك بمجرد حلفانك أنك لا تبيع، وبعدها "تتظلم".
الوزير مش فاضى يشوف كل شكوى، وليس مطالبا بتصديق كل متظلم. والمواطنون محتالون، ويلجأون دائما لمحاسبين قانونيين "يظبطون" أوضاعهم.

المهم: أمامك ثلاثة أعوام حتى تغلق ملفك الضريبى، وإذا جاد عليك الحظ، ودخلت عينة الفحص العشوائية، فسينخرب بيتك الذى هو مخروب أيضا، لأن طوب الخراب يصلح لسداد الأموال الأميرية، وإلا لن يكون هناك سوى "التبديد"، والحجز، ثم السجن، وترجع تشد شعرك، وتقول "ياريتك يا بو زيد ما غزيت".

نسيت أن أقول: إن مشروعك الذى سيخسر يوميا، سيستقبل يوميا أيضا أفواجا – ليست من الزبائن المستهدفين، لكن من موظفى الجهات الرقابية "الرخص"، "الشهادات الصحية"، "اليفط الإعلانية"، "المرافق"، "النظافة"، "ودقى يا مزيكة".

بالعربى ستجد أن خزينة الدخل مخرومة وموصولة بجيوب هؤلاء جميعا، ولا عليك فالدولة تعترف بهذا الأمر، لأنها تعطى موظفيها رواتبهم الأساسية، فيما ترميهم على أصحاب المشاريع الخاصة لتحصيل مكافآتهم وحوافزهم، التى هى بالطبع ستكون 20 ضعف أساسى رواتبهم.

وحين يمر العام، ستذكرك "أمنا الغولة" بتقديم إقرارك الضريبى، وسينصحك محاميك الأمين، بعدم تقديم إقرار بالخسارة المتكررة ثلاثة أعوام، لأن الدولة لا تعترف بالخسارة، "كده كده هتدفع"، حتى لو غرامة فشلك، لأن الوزير ابن الناس يؤمن بأنك تعيش فى دولة لا يليق بها أن تفتح فيها مشروعا ليخسر.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة